للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي " الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ " هَلْ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. قِيلَ: لَا يَتَحَقَّقُ؛ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُعَاقَبْ كَانَ كَالْمُبَاحِ وَقِيلَ: يَتَحَقَّقُ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُذَمَّ وَإِنْ لَمْ يُعَاقَبْ. وَتَحْقِيقُ الْأَمْرِ أَنَّ الْعِقَابَ " نَوْعَانِ " نَوْعٌ بِالْآلَامِ، فَهَذَا قَدْ يَسْقُطُ بِكَثْرَةِ الْحَسَنَاتِ وَنَوْعٌ بِنَقْصِ الدَّرَجَةِ وَحِرْمَانِ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ. فَهَذَا يَحْصُلُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ الْأَوَّلُ. وَاَللَّهُ تَعَالَى يُكَفِّرُ سَيِّئَاتِ الْمُسِيءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} فَيُكَفِّرُهَا تَارَةً بِالْمَصَائِبِ فَتَبْقَى دَرَجَةُ صَاحِبِهَا كَمَا كَانَتْ وَقَدْ تَصِيرُ دَرَجَتُهُ أَعْلَى وَيُكَفِّرُهَا بِالطَّاعَاتِ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِتِلْكَ السَّيِّئَاتِ أَعْلَى دَرَجَةً. فَيُحْرَمُ صَاحِبُ السَّيِّئَاتِ مَا يَسْقُطُ بِإِزَائِهَا مِنْ طَاعَتِهِ وَهَذَا مِمَّا يَتُوبُ مِنْهُ مَنْ أَرَادَ أَلَّا يَخْسَرَ وَمَنْ فَرَّطَ فِي مُسْتَحَبَّاتٍ فَإِنَّهُ يَتُوبُ أَيْضًا؛ لِيَحْصُلَ لَهُ مُوجِبُهَا. فَالتَّوْبَةُ تَتَنَاوَلُ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ. وَتَوْبَةُ الْإِنْسَانِ مِنْ حَسَنَاتِهِ عَلَى أَوْجُهٍ:

أَحَدُهُمَا أَنْ يَتُوبَ وَيَسْتَغْفِرَ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِيهَا. وَالثَّانِي أَنْ يَتُوبَ مِمَّا كَانَ يَظُنُّهُ حَسَنَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ كَحَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ. وَالثَّالِثُ يَتُوبُ مِنْ إعْجَابِهِ وَرُؤْيَتِهِ أَنَّهُ فَعَلَهَا وَأَنَّهَا حَصَلَتْ