للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلْيَفْعَلْ. كَمَا فَعَلَ رويم. كَتَمَ حُبّ الدُّنْيَا أَرْبَعِينَ سَنَةً فَقِيلَ: وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ؟ قَالَ: وُلِّيَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إسْحَاقَ الْقَاضِي قَضَاءَ بَغْدَادَ وَكَانَ بَيْنَهُمَا مَوَدَّةٌ أَكِيدَةٌ؛ فَجَذَبَهُ إلَيْهِ وَجَعَلَهُ وَكِيلًا عَلَى بَابِهِ فَتَرَكَ لُبْسَ التَّصَوُّفِ وَلُبْسَ الْخَزِّ وَالْقَصَبِ والديبقي وَأَكْلِ الطَّيِّبَاتِ وَبَنْيِ الدُّورِ وَإِذَا هُوَ كَانَ يَكْتُمُ حُبّ الدُّنْيَا مَا لَمْ يَجِدْهَا فَلَمَّا وَجَدَهَا أَظْهَرَ مَا كَانَ يَكْتُمُ مِنْ حُبِّهَا. هَذَا مَعَ أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ لَهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَكَانَ عَلَى مَذْهَبِ دَاوُد. وَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تَصْدُرُ عَنْ صَاحِبِ حَالٍ لَمْ يُفَكِّرْ فِي لَوَازِمِ أَقْوَالِهِ وَعَوَاقِبِهَا لَا تُجْعَلُ طَرِيقَةً وَلَا تُتَّخَذُ سَبِيلًا؛ وَلَكِنْ قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَا لِصَاحِبِهَا مِنْ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَا مَعَهُ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي مَعْرِفَةِ حُقُوقِ الطَّرِيقِ وَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ التَّقْوَى وَالصَّبْرِ وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ التَّقْوَى وَالصَّبْرِ، وَالرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَعْلَم بِطَرِيقِ سَبِيلِ اللَّهِ وَأَهْدَى وَأَنْصَحُ فَمَنْ خَرَجَ عَنْ سُنَّتِهِمْ وَسَبِيلِهِمْ كَانَ مَنْقُوصًا مُخْطِئًا مَحْرُومًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ كَافِرًا. وَيُشْبِهُ هَذَا: {الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ مَرِيضٌ كَالْفَرْخِ فَقَالَ: هَلْ كُنْت تَدْعُو اللَّهَ بِشَيْءِ قَالَ: كُنْت أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْت معذبني بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَاجْعَلْهُ فِي الدُّنْيَا فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَا تَسْتَطِيعُهُ وَلَا تُطِيقُهُ هَلَّا قُلْت: رَبَّنَا آتِنَا فِي