وَلِهَذَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَأْخُذُوا بِمَقَايِيسِ زُفَرَ فَإِنَّكُمْ إنْ أَخَذْتُمْ بِمَقَايِيسِهِ حَرَّمْتُمْ الْحَلَالَ وَحَلَّلْتُمْ الْحَرَامَ " فَإِنَّ زُفَرَ كَانَ كَثِيرَ الطَّرْدِ لِمَا يَظُنُّهُ مِنْ الْقِيَاسِ مَعَ قِلَّةِ عِلْمِهِ بِالنُّصُوصِ. وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ نَظَرُهُ بِالْعَكْسِ؛ كَانَ أَعْلَمَ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ وَلِهَذَا تُوجَدُ الْمَسَائِلُ الَّتِي يُخَالِفُ فِيهَا زُفَرُ أَصْحَابَهُ عَامَّتُهَا قِيَاسِيَّةً وَلَا يَكُونُ إلَّا قِيَاسًا ضَعِيفًا عِنْدَ التَّأَمُّلِ وَتُوجَدُ الْمَسَائِلُ الَّتِي يُخَالِفُ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ أَبَا حَنِيفَةَ وَاتَّبَعَهُ مُحَمَّدٌ عَلَيْهَا؛ عَامَّتُهَا اتَّبَعَ فِيهَا النُّصُوصَ وَالْأَقْيِسَةَ الصَّحِيحَةَ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَحَلَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى الْحِجَازِ وَاسْتَفَادَ مِنْ عِلْمِ السُّنَنِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ مَا لَمْ تَكُنْ مَشْهُورَةً بِالْكُوفَةِ وَكَانَ يَقُولُ: " لَوْ رَأَى صَاحِبِي مَا رَأَيْت لَرَجَعَ كَمَا رَجَعْت " لِعِلْمِهِ بِأَنَّ صَاحِبَهُ مَا كَانَ يَقْصِدُ إلَّا اتِّبَاعَ الشَّرِيعَةِ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ عِلْمِ السُّنَنِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ. وَهَذَا أَيْضًا حَالُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ فِيمَا وَافَقُوا عَلَيْهِ مِنْ قِيَاسٍ لَمْ تَثْبُتْ صِحَّتُهُ بِالْأَدِلَّةِ الْمُعْتَمَدَةِ فَإِنَّ الْمُوَافَقَةَ فِيهِ تُوجِبُ طَرْدَهُ ثُمَّ أَهْلُ النُّصُوصِ قَدْ يَنْقُضُونَهُ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ النُّصُوصَ يَطْرُدُونَهُ. وَكَذَلِكَ هَذِهِ حَالُ أَكْثَرِ مُتَكَلِّمَةِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ مَعَ مُتَكَلِّمَةِ الْنُّفَاةِ؛ فِي مَسَائِلِ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَدْ يُوَافِقُونَهُمْ عَلَى قِيَاسٍ فِيهِ نَفْيٌ ثُمَّ يَطْرُدُهُ أُولَئِكَ فَيَنْفُونَ بِهِ مَا أَثْبَتَتْهُ النُّصُوصُ وَالْمُثْبِتَةُ لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute