وَبِهَذَا التَّقْسِيمِ يَظْهَرُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنْ نَوَى بِالِاسْتِثْنَاءِ مَعْنَى قَوْلِهِ {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} {إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} فَإِنَّ الرَّجُلَ مَأْمُورٌ أَنْ لَا يَقُولَ لَأَفْعَلَنَّهُ غَدًا إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَيَتَبَيَّنُ بِهَذَا الْبَحْثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الرَّافِعَ لِلْكَفَّارَةِ إنَّمَا يُعَلِّقُ مَا فِي الْيَمِينِ مِنْ مَعْنَى الْخَبَرِ الْمَحْضِ أَوْ الْمَشُوبِ؛ لَا يُعَلِّقُ مَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الطَّلَبِ الْمَحْضِ أَوْ الْمَشُوبِ؛ إذْ مُخَالَفَةُ الطَّلَبِ لَا تُوجِبُ كَفَّارَةً وَإِنَّمَا يُوجِبُهَا مُخَالَفَةُ الْخَبَرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّفْعَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ فِي الْمَشِيئَةِ تَعْلِيقٌ وَالتَّعْلِيقُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا لَمْ يَقَعْ؛ بِخِلَافِ مَا قَدْ وَقَعَ. وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَرْفَعُ الْإِنْشَاءَاتِ بِأَسْرِهَا لَا الطَّلَاقَ وَلَا غَيْرَهُ كَمَا لَا يَرْفَعُ مُوجَبَ الطَّلَبِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ هَذِهِ أَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ الْمُغَلَّبُ عَلَيْهَا حُكْمُ الْإِنْشَاءَاتِ؛ لِامْتِنَاعِ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهَا وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِيهَا بِأَسْرِهَا اسْتِثْنَاءُ تَحْقِيقٌ؛ لَا تَعْلِيقٍ كَقَوْلِهِ: كَانَ هَذَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَكَانَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ. وَيُخَرَّجُ مِنْ هَذَا " الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْأَيْمَانِ " إنْ عَادَ إلَى الْمُوَافَاةِ فَعَلَى بَابِهِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِاسْمِ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ الْجَنَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَخَالَفَهُ فِيهِ صَاحِبُ مُعَاذٍ بِتَأْوِيلِ صَحِيحٍ وَتَرْكُهُ جَائِزٌ. وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ أَحْسَنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute