وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقِتَالَ فِي الْفِتْنَةِ الْكُبْرَى. كَانَ الصَّحَابَةُ فِيهَا ثَلَاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ قَاتَلَتْ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ وَفِرْقَةٌ قَاتَلَتْ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ وَفِرْقَةٌ قَعَدَتْ وَالْفُقَهَاءُ الْيَوْمَ عَلَى قَوْلَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْقِتَالَ مِنْ نَاحِيَةِ عَلِيٍّ - مِثْلَ أَكْثَرِ الْمُصَنِّفِينَ - لِقِتَالِ الْبُغَاةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى الْإِمْسَاكَ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ الصَّحِيحَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ هَذِهِ الْفِتْنَةِ تُوَافِقُ قَوْلَ هَؤُلَاءِ وَلِهَذَا كَانَ الْمُصَنِّفُونَ لِعَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَذْكُرُونَ فِيهِ تَرْكَ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ وَالْإِمْسَاكَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ.
ثُمَّ إنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَرَوْنَ قِتَالَ مَنْ خَرَجَ عَنْ الشَّرِيعَةِ كالحرورية وَغَيْرِهِمْ. وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ. وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّةِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ الْحَدِيثُ فِي الْخَوَارِجِ مِنْ عَشْرَةِ أَوْجُهٍ خَرَّجَهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَخَرَّجَ الْبُخَارِيُّ بَعْضَهَا. وَقَالَ فِيهِ: {يُحَقِّرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وَقَدْ ثَبَتَ اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute