وَكَذَلِكَ الْمُسَافِحَةُ وَالْمُتَّخِذَةُ الْخِدْنِ الَّذِي تَكُونُ لَهُ صَدِيقَةً يَزْنِي بِهَا دُونَ غَيْرِهِ فَشَرْطٌ فِي الْحِلِّ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ غَيْرَ مُسَافِحٍ وَلَا مُتَّخِذِ خِدْنٍ. فَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ بَغِيًّا وَتُسَافِحُ هَذَا وَهَذَا لَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا مُحْصِنًا لَهَا عَنْ غَيْرِهِ؛ إذْ لَوْ كَانَ مُحْصِنًا لَهَا كَانَتْ مُحْصَنَةً وَإِذَا كَانَتْ مُسَافِحَةً لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً. وَاَللَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ النِّكَاحَ إذَا كَانَ الرِّجَالُ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَإِذَا شُرِطَ فِيهِ أَلَّا يَزْنِيَ بِغَيْرِهَا - فَلَا يَسْفَحُ مَاءَهُ مَعَ غَيْرِهَا - كَانَ أَبْلَغَ وَأَبْلَغَ. وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: " السِّفَاحُ " الزِّنَا. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ {مُحْصِنِينَ} أَيْ مُتَزَوِّجِينَ {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} قَالَ: وَأَصْلُهُ مِنْ سَفَحْت الْقِرْبَةَ إذَا صَبَبْتهَا. فَسَمَّى " الزِّنَا " سِفَاحًا؛ لِأَنَّهُ يَصُبُّ النُّطْفَةَ وَتَصُبُّ الْمَرْأَةُ النُّطْفَةَ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: " السِّفَاحُ " صَبُّ الْمَاءِ بِلَا عَقْدٍ وَلَا نِكَاحٍ فَهِيَ الَّتِي تَسْفَحُ مَاءَهَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: {مُحْصِنِينَ} أَيْ عَاقِدِينَ التَّزَوُّجَ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: مُتَعَفِّفِينَ غَيْرُ زَانِينَ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي النِّسَاءِ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} فَفِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الرِّجَالُ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ بِكَسْرِ الصَّادِ. " وَالْمُحْصِنُ " هُوَ الَّذِي يُحْصِنُ غَيْرَهُ؛ لَيْسَ هُوَ الْمُحْصَنَ بِالْفَتْحِ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِي الْحَدِّ. فَلَمْ يُبَحْ إلَّا تَزَوُّجُ مَنْ يَكُونُ مُحْصَنًا لِلْمَرْأَةِ غَيْرَ مُسَافِحٍ وَمَنْ تَزَوَّجَ بِبَغِيِّ مَعَ بَقَائِهَا عَلَى الْبِغَاءِ وَلَمْ يُحْصِنْهَا مِنْ غَيْرِهِ - بَلْ هِيَ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ النِّكَاحِ تَبْغِي مَعَ غَيْرِهِ - فَهُوَ مُسَافِحٌ بِهَا لَا مُحْصِنٌ لَهَا. وَهَذَا حَرَامٌ بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute