للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَكِنْ كُلُّ مَا قِيلَ فِيهِ إنَّهُ اسْتَوَى عَلَى غَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ عَالٍ عَلَيْهِ: وَاَلَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ " الِاسْتِوَاءُ " لَا مُطْلَقُ الْعُلُوِّ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَيْهِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَمَّا كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ لَمَّا خَلَقَ هَذَا الْعَالَمَ كَانَ عَالِيًا عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَوِيًا عَلَيْهِ؛ فَلَمَّا خَلَقَ هَذَا الْعَالَمَ اسْتَوَى عَلَيْهِ؛ فَالْأَصْلُ أَنَّ عُلُوَّهُ عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ وَصْفٌ لَازِمٌ لَهُ كَمَا أَنَّ عَظَمَتَهُ وَكِبْرِيَاءَهُ وَقُدْرَتَهُ كَذَلِكَ وَأَمَّا " الِاسْتِوَاءُ " فَهُوَ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِيهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى} . وَلِهَذَا كَانَ الِاسْتِوَاءُ مِنْ الصِّفَاتِ السَّمْعِيَّةِ الْمَعْلُومَةِ بِالْخَبَرِ. وَأَمَّا عُلُوُّهُ عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ فَهُوَ عِنْدَ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ مِنْ الصِّفَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الْمَعْلُومَةِ بِالْعَقْلِ مَعَ السَّمْعِ وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ كُلَّابٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيْ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَقَوْلِ جَمَاهِيرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَنُظَّارِ الْمُثْبِتَةِ. وَهَذَا الْبَابُ وَنَحْوُهُ إنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا يَظُنُّونَ أَنَّ مَا وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنْ جِنْسِ مَا تُوصَفُ بِهِ أَجْسَامُهُمْ فَيَرَوْنَ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ؛ فَإِنَّ كَوْنَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ مَعَ نُزُولِهِ يَمْتَنِعُ فِي مِثْلِ أَجْسَامِهِمْ لَكِنْ مِمَّا يُسَهِّلُ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَةَ إمْكَانِ هَذَا مَعْرِفَةُ أَرْوَاحِهِمْ وَصِفَاتِهَا وَأَفْعَالِهَا وَأَنَّ الرُّوحَ قَدْ تَعْرُجُ مِنْ النَّائِمِ إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ لَمْ تُفَارِقْ الْبَدَنَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وَكَذَلِكَ السَّاجِدُ قَالَ