للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَحْبُوبًا وَلَا مَقْدُورًا وَلَا كُلُّ مَقْدُورٍ مُرَادًا مَحْبُوبًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ مَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ مَعْلُومًا مُصَدَّقًا بِهِ أَنْ يَكُونَ مَحْبُوبًا مَعْبُودًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ؛ وَأَمْرٌ آخَرُ بِهِ يَكُونُ هَذَا مُحِبًّا وَهَذَا مَحْبُوبًا. فَقَوْلُ مَنْ جَعَلَ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ وَالتَّصْدِيقِ فِي الْعَبْدِ هُوَ الْإِيمَانُ وَأَنَّهُ مُوجِبٌ لِأَعْمَالِ الْقَلْبِ فَإِذَا انْتَفَتْ دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الْعِلْمِ؛ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: مُجَرَّدُ عِلْمِ اللَّهِ بِنِظَامِ الْعَالِمِ مُوجِبٌ لِوُجُودِهِ؛ بِدُونِ وُجُودِ إرَادَةٍ مِنْهُ وَهُوَ شَبِيهٌ بِقَوْلِ الْمُتَفَلْسِفَةِ: إنَّ سَعَادَةَ النَّفْسِ فِي مُجَرَّدِ أَنْ تَعْلَمَ الْحَقَائِقَ وَلَمْ يَقْرِنُوا ذَلِكَ بِحُبِّ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادَتِهِ الَّتِي لَا تَتِمُّ السَّعَادَةُ إلَّا بِهَا؛ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ يَقُولُ: كَمَالُ الْجِسْمِ أَوْ النَّفْسِ فِي الْحُبِّ مِنْ غَيْرِ اقْتِرَانِ الْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ بِهِ، وَمَنْ يَقُولُ: اللَّذَّةُ فِي مُجَرَّدِ الْإِدْرَاكِ وَالشُّعُورِ. وَهَذَا غَلَطٌ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ الْمُلَائِمِ؛ وَالْمُلَائِمَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِمَحَبَّةِ بَيْنَ الْمُدْرِكِ وَالْمُدْرَكِ وَتِلْكَ الْمَحَبَّةُ وَالْمُوَافَقَةُ وَالْمُلَائِمَةُ لَيْسَتْ نَفْسَ إدْرَاكِهِ وَالشُّعُورِ بِهِ. وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَالْأَطِبَّاءِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ إنَّ " اللَّذَّةَ " إدْرَاكُ الْمُلَائِمِ وَهَذَا تَقْصِيرٌ مِنْهُمْ بَلْ اللَّذَّةُ حَالٌ يَعْقُبُ إدْرَاكَ الْمُلَائِمِ؛ كَالْإِنْسَانِ الَّذِي يُحِبُّ الْحُلْوَ وَيَشْتَهِيهِ فَيُدْرِكُهُ بِالذَّوْقِ وَالْأَكْلِ؛ فَلَيْسَتْ اللَّذَّةُ مُجَرَّدَ ذَوْقِهِ بَلْ أَمْرٌ يَجِدُهُ مِنْ نَفْسِهِ يَحْصُلُ مَعَ الذَّوْقِ فَلَا بُدَّ " أَوَّلًا " مِنْ أَمْرَيْنِ؛ وَ " آخِرًا " مِنْ أَمْرَيْنِ: لَا بُدَّ " أَوَّلًا ": مِنْ شُعُورٍ بِالْمَحْبُوبِ؛ وَمَحَبَّةٍ لَهُ؛ فَمَا لَا شُعُورَ بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُشْتَهَى وَمَا يُشْعَرُ بِهِ وَلَيْسَ فِي النَّفْسِ مَحَبَّةٌ لَهُ لَا يُشْتَهَى ثُمَّ إذَا