للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدِمْنَا إلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ} كَمَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِهَا كُلُّ عَمَلٍ بَاطِلٌ إلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ فَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَرَجَاهُ بَطَلَ سَعْيُهُ وَالرَّاجِي يَكُونُ رَاجِيًا تَارَةً بِعَمَلِ يَعْمَلُهُ لِمَنْ يَرْجُوهُ وَتَارَةً بِاعْتِمَادِ قَلْبِهِ عَلَيْهِ وَالْتِجَائِهِ إلَيْهِ وَسُؤَالِهِ فَذَاكَ نَوْعٌ مِنْ الْعِبَادَةِ لَهُ وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وَقَالَ: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} وَقَالَ: {قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} . وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ خَيْرٍ وَنِعْمَةٍ تَنَالُ الْعَبْدَ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ وَكُلَّ شَرٍّ وَمُصِيبَةٍ تَنْدَفِعُ عَنْهُ أَوْ تُكْشَفُ عَنْهُ فَإِنَّمَا يَمْنَعُهَا اللَّهُ؛ وَإِنَّمَا يَكْشِفُهَا اللَّهُ وَإِذَا جَرَى مَا جَرَى مِنْ أَسْبَابِهَا عَلَى يَدِ خَلْقِهِ فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ خَالِقُ الْأَسْبَابِ كُلِّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَسْبَابُ حَرَكَةَ حَيٍّ بِاخْتِيَارِهِ وَقَصْدِهِ كَمَا يُحْدِثُهُ تَعَالَى بِحَرَكَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ أَوْ حَرَكَةَ جَمَادٍ بِمَا جَعَلَ اللَّه فِيهِ مِنْ الطَّبْعِ أَوْ بِقَاسِرِ يَقْسِرُهُ كَحَرَكَةِ الرِّيَاحِ وَالْمِيَاهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَاَللَّهُ خَالِقُ ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِهِ وَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ فَالرَّجَاءُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ لِلرَّبِّ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءُ لَهُ فَإِنَّهُ إنْ شَاءَ ذَلِكَ وَيَسَّرَهُ كَانَ وَتَيَسَّرَ وَلَوْ لَمْ يَشَأْ النَّاسُ وَإِنْ لَمْ يَشَأْهُ وَلَمْ يُيَسِّرْهُ لَمْ يَكُنْ؛ وَإِنْ شَاءَهُ النَّاسُ. وَهَذَا وَاجِبٌ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْأَسْبَابِ مُسْتَقِلًّا بِالْمَطْلُوبِ فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ مُسْتَقِلًّا بِالْمَطْلُوبِ - وَإِنَّمَا يَكُونُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَيْسِيرِهِ - لَكَانَ الْوَاجِبَ أَنْ