وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أَيْ قِبْلَةُ اللَّهِ وَوُجْهَةُ اللَّهِ هَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَإِنْ عَدَّهَا بَعْضُهُمْ فِي الصِّفَاتِ وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ بِوَجْهِ فِيهِ نَظَرٌ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا} أَيْ تَتَوَلَّوْا أَيْ تَتَوَجَّهُوا وَتَسْتَقْبِلُوا يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ بِمَعْنَى يَتَوَلَّاهَا. وَنَظِيرُ: وَلِيَ وَتَوَلَّى: قَدِمَ وَتَقَدَّمَ وَبَيَّنَ وَتَبَيَّنَ كَمَا قَالَ: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} وَقَالَ: {بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} وَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي لِلَّهِ وَاَلَّذِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ نَسْتَقْبِلَ. فَإِنَّ قَوْلَهُ: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَجْهَ اللَّهِ هُنَاكَ مِنْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ الَّذِي هُوَ لِلَّهِ كَمَا فِي آيَةِ الْقِبْلَةِ: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فَلَمَّا سَأَلُوا عَنْ سَبَبِ التَّوَلِّي عَنْ الْقِبْلَةِ أَخْبَرَ أَنَّ لَهُ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ.
وَأَمَّا لَفْظُ " وجهة " مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} فَقَدْ يُظَنُّ أَيْضًا أَنَّهُ مَصْدَرٌ كَالْوَجْهِ كالوعدة مَعَ الْوَعْدِ وَأَنَّهَا تُرِكَتْ صَحِيحَةً فَلَمْ تُحْذَفْ فَاؤُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَصْدَرًا لَحُذِفَتْ وَاوُهُ وَهُوَ الْجِهَةُ. وَكَانَ يُقَالُ وَلِكُلِّ جِهَةٌ أَوْ وَجْهٌ وَإِنَّمَا الْفِعْلَةُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَالْقِبْلَةِ وَالْبِدْعَةِ وَالذِّبْحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَالْقِبْلَةُ: مَا اُسْتُقْبِلَ والوجهة: مَا تُوُجِّهَ إلَيْهِ وَالْبِدْعَةُ: مَا اُبْتُدِعَ وَالذِّبْحَةُ: مَا ذُبِحَ؛ وَلِهَذَا صَحَّ وَلَمْ تُحْذَفْ فَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْحَذْفَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمَصْدَرِ لَا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute