أَنَّ النَّارَ لَا يَدْخُلُهَا مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ} فَجَعَلَ الْكِبْرَ مُقَابِلًا لِلْإِيمَانِ فَإِنَّ الْكِبْرَ يُنَافِي حَقِيقَةَ الْعُبُودِيَّةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {يَقُولُ اللَّهُ الْعَظَمَةُ إزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ} فَالْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْكِبْرِيَاءُ أَعْلَى مِنْ الْعَظَمَةِ؛ وَلِهَذَا جَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ الرِّدَاءِ كَمَا جَعَلَ الْعَظَمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْإِزَارِ. وَلِهَذَا كَانَ شِعَارُ الصَّلَوَاتِ وَالْأَذَانِ وَالْأَعْيَادِ هُوَ التَّكْبِيرَ وَكَانَ مُسْتَحَبًّا فِي الْأَمْكِنَةِ الْعَالِيَةِ كَالصَّفَا والمروة وَإِذَا عَلَا الْإِنْسَانُ شَرَفًا أَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَنَحْوَ ذَلِكَ وَبِهِ يُطْفَأُ الْحَرِيقُ وَإِنْ عَظُمَ وَعِنْدَ الْأَذَانِ يَهْرُبُ الشَّيْطَانُ. قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} .
وَكُلُّ مَنْ اسْتَكْبَرَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ لَا بُدَّ أَنْ يَعْبُدَ غَيْرَهُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ حَسَّاسٌ يَتَحَرَّكُ بِالْإِرَادَةِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ} فَالْحَارِثُ الْكَاسِبُ الْفَاعِلُ وَالْهَمَّامُ فَعَّالٌ مِنْ الْهَمِّ وَالْهَمُّ أَوَّلُ الْإِرَادَةِ فَالْإِنْسَانُ لَهُ إرَادَةٌ دَائِمًا وَكُلُّ إرَادَةٍ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُرَادٍ تَنْتَهِي إلَيْهِ فَلَا بُدَّ لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْ مُرَادٍ مَحْبُوبٍ هُوَ مُنْتَهَى حُبِّهِ وَإِرَادَتِهِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ مَعْبُودَهُ وَمُنْتَهَى حُبِّهِ وَإِرَادَتِهِ بَلْ اسْتَكْبَرَ عَنْ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُرَادٌ مَحْبُوبٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute