كتاب مجموع الفتاوى

الجزء ١١: التصوف - فصل: في قوله صلى الله عليه وسلم: " المرء مع من أحب " - ج: 11 - ص: 517

وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: لَئِنْ كُنْت أَغْضَبْتهمْ لَقَدْ أَغْضَبْت رَبَّك فِي قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لِكَوْنِ غَضَبِهِ لِأَجْلِ أَبِي سُفْيَانَ وَهُمْ كَانُوا يَغْضَبُونَ لِلَّهِ وَإِلَّا فَأَبُو بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالشُّيُوخُ وَالْمُلُوكُ وَغَيْرُهُمْ إذَا أَمَرُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أُطِيعُوا وَإِنْ أَمَرُوا بِخِلَافِ ذَلِكَ لَمْ يُطَاعُوا؛ فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مَعْصُومًا إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا فِي الشَّيْخِ الَّذِي ثَبَتَ مَعْرِفَتُهُ بِالدِّينِ وَعَمَلُهُ بِهِ. وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُبْتَدِعًا بِدْعَةً ظَاهِرَةً أَوْ فَاجِرًا فُجُورًا ظَاهِرًا. فَهَذَا إلَى أَنْ تُنْكِرَ عَلَيْهِ بِدْعَتَهُ وَفُجُورَهُ أَحْوَجُ مِنْهُ إلَى أَنْ يُطَاعَ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ؛ لَكِنْ إنْ أَمَرَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَجَبَتْ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّ طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ؛ وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ بِهَا كَائِنًا مَنْ كَانَ.

فَصْلٌ: (*)

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ} " فَهُوَ مِنْ أَصَحِّ الْأَحَادِيثِ. وَقَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِشَيْءِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحَهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَأَنَا أُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أُحْشَرَ

---

(*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ٩٩):
وهذا الفصل هو آخر فصل في الإجابة على السؤال المذكور في (١١/ ٤٩٣، ٤٩٤)، وقد كرر هذا الفصل مرة أخرى في موضع آخر (١٨/ ٣١٣ - ٣٢٥)، ومن المقارنة بين الموضعين يتضح أن النسخة التي نقل منها هذا الفصل في الموضع الثاني غير نسخة الموضع الأول لوجود بعض الفروق، وأهم هذه الفروق:
١ - ١١/ ٥١٨: (وقال طائفة: بل من استفشى من بين الناس إيمانه)، وفي ١٨/ ٣١٤: (وقال طائفة: بل من استفاض) وهو الأظهر.
٢ - ١١/ ٥٢١: (وأهل الإيمان يحبون ذلك، لأن أهل الإيمان أصل حبهم هو حب الله، ومن أحب الله أحب من يحبه، ومن أحبه الله، فمحبوب المحبوب محبوب، ومحبوب الله يحب الله، فمن أحب الله فيحبه من أحب الله)، وفي ١٨/ ٣١٦: (وأهل الإيمان يحبون؛ وذلك أن أهل الإيمان أصل حبهم هو حب الله، ومن أحب الله أحب من يحبه الله، ومن أحبه الله أحب الله، فمحبوب المحبوب محبوب لله، يحب الله، فمن أحب الله أحبه الله، فيحب من أحب الله)، وبين الموضعين اختلاف ظاهر، والأول أظهر.
٣ - ١١/ ٥٢٤: (فتخلو القلوب عن محبة ما سواه [بمحبته وعن رجاء ما سواه] برجائه وعن سؤال ما سواه بسؤاله وعن العمل لما سواه بالعمل له وعن الاستعانة بما سواه بالاستعانة به)، وفي ١٨/ ٣١٩ (فتخلو القلوب عن محبة ما سواه بمحبته وبرجائه، وعن سؤال ما سواه بسؤاله، وعن العمل لما سواه بالعمل له، وعن الاستعانة بما سواه بالاستعانة به).
وما بين المعقوفتين من الجامع رحمه الله، لأنه رجح وجود سقط، والذي يظهر أن العبارة التي أضافها في الموضع الأول أولى، إلا أن تكون (برجائه) مصحفة من (بمحبته) فلا إضافة، والله أعلم.
٤ - ١١/ ٥٢٦: (بين سبحانه ضلال الذين يدعون المخلوق من الملائكة والأنبياء وغيرهم المبين أن المخلوقين لا يملكون مثقال ذرة)، وفي ١٨/ ٣٢٢ (بَيَّن سبحانه ضلال الذين يدعون المخلوق من الملائكة والأنبياء وغيرهم، فبين أن المخلوقين لا يملكون مثقال ذرة)، وهو الصواب (١)

(١) هناك سقط وبعض التنبيهات على الموضع الثاني يأتي ذكرها أثناء الكلام على المجلد الثامن عشر