قِسْت عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ ثَابِتَةً فِي الْفَرْعِ فَلِمَ قُلْت: إنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ مُجَرَّدُ كَوْنِهِ مَعْدُومًا؟ وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ فِي حَالِ عَدَمِهِ مَعَ إمْكَانِ تَأْخِيرِ بَيْعِهِ إلَى حَالِ وُجُودِهِ؟ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْعِلَّةُ مُقَيَّدَةٌ بِعَدَمِ خَاصٍّ وَهُوَ مَعْدُومٌ يُمْكِنُ بَيْعُهُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَأَنْتَ إنْ لَمْ تُبَيِّنْ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ كَانَ قِيَاسُك فَاسِدًا وَهَذَا سُؤَالُ الْمُطَالَبَةِ وَهُوَ كَافٍ فِي وَقْفِ قِيَاسِك. لَكِنْ نُبَيِّنُ فَسَادَهُ فَنَقُولُ: مَا ذَكَرْنَاهُ عِلَّةٌ مُطَّرِدَةٌ وَمَا ذَكَرْته عِلَّةٌ مُنْتَقَضَةٌ؛ فَإِنَّك إذَا عَلَّلْت الْمَنْعَ بِمُجَرَّدِ الْعَدَمِ اُنْتُقِضَتْ عِلَّتُك بِبَعْضِ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ وَإِذَا عَلَّلْته بِعَدَمِ مَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ بَيْعِهِ إلَى حَالِ وُجُودِهِ؛ أَوْ بِعَدَمِ هُوَ غَرَرٌ اطَّرَدَتْ الْعِلَّةُ وَأَيْضًا فَالْمُنَاسَبَةُ تَشْهَدُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ حَالُ وُجُودٍ وَعَدَمٍ كَانَ بَيْعُهُ حَالَ الْعَدَمِ فِيهِ مُخَاطَرَةٌ وَقِمَارٌ وَبِهَا عَلَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَنْعَ حَيْثُ قَالَ: {أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؟} بِخِلَافِ مَا لَيْسَ لَهُ إلَّا حَالٌ وَاحِدَةٌ وَالْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ؛ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مُخَاطَرَةً فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ. وَمِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ الْمَصْلَحَةُ وَالْمَفْسَدَةُ قُدِّمَ أَرْجَحُهُمَا فَهُوَ إنَّمَا نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ الَّتِي تَضُرُّ بِأَحَدِهِمَا وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute