للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ لَمْ يَكْرَهُوا الْكَلَامَ لِمُجَرَّدِ مَا فِيهِ مِنْ الِاصْطِلَاحَاتِ الْمُوَلَّدَةِ كَلَفْظِ " الْجَوْهَرِ " وَ " الْعَرَضِ " وَ " الْجِسْمِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ بَلْ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِيهَا مِنْ الْبَاطِلِ الْمَذْمُومِ فِي الْأَدِلَّةِ وَالْأَحْكَامِ مَا يَجِبُ النَّهْيُ عَنْهُ لِاشْتِمَالِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَعَانٍ مُجْمَلَةٍ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ. كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي وَصْفِهِ لِأَهْلِ الْبِدَعِ فَقَالَ: هُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ مُتَّفِقُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ يَتَكَلَّمُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ الْكَلَامِ وَيَلْبِسُونَ عَلَى جُهَّالِ النَّاسِ بِمَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ مِنْ الْمُتَشَابِهِ. فَإِذَا عُرِفَتْ الْمَعَانِي الَّتِي يَقْصِدُونَهَا بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَوُزِنَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: بِحَيْثُ يُثْبِتُ الْحَقَّ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَيَنْفِي الْبَاطِلَ الَّذِي نَفَاهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْحَقَّ؛ بِخِلَافِ مَا سَلَكَهُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ مِنْ التَّكَلُّمِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ: نَفْيًا وَإِثْبَاتًا: فِي الْوَسَائِلِ وَالْمَسَائِلِ؛ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ التَّفْصِيلِ وَالتَّقْسِيمِ الَّذِي هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ. وَهَذَا مِنْ مُثَارَاتِ الشُّبْهَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ وَلَا أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَا أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ: أَنَّهُ عَلَّقَ بِمُسَمَّى لَفْظِ " الْجَوْهَرِ " " وَالْجِسْمِ " " وَالتَّحَيُّزِ " وَالْعَرَضِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ أُصُولِ الدِّينِ: لَا الدَّلَائِلِ وَلَا الْمَسَائِلِ؛ والمتكلمون بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ يَخْتَلِفُ مُرَادُهُمْ بِهَا، تَارَةً لِاخْتِلَافِ الْوَضْعِ، وَتَارَةً لِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ كَمَنْ يَقُولُ " الْجِسْمُ " هُوَ الْمُؤَلَّفُ ثُمَّ يَتَنَازَعُونَ هَلْ هُوَ الْجَوْهَرُ الْوَاحِدُ بِشَرْطِ تَأْلِيفِهِ؟