وَإِمَّا لِاخْتِلَافِ اجْتِهَادِهِمْ فَرَأَوْهُ لَازِمًا وَتَارَةً غَيْرَ لَازِمٍ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِكَوْنِ لُزُومِ الثَّلَاثِ شَرْعًا لَازِمًا كَسَائِرِ الشَّرَائِعِ: فَهَذَا لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الرَّاجِحِ لِهَذَا الْمَوْقِعِ أَنْ يَلْتَزِمَ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَيُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ؛ وَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ لِكَوْنِهَا كَانَتْ حَائِضًا إذَا كَانَ مِمَّنْ اتَّقَى اللَّهَ وَتَابَ مِنْ الْبِدْعَةِ.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا " الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ " فَمَنْشَأُ النِّزَاعِ فِي وُقُوعِهِ: أَنَّ {النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ لَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ} فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: " فَلْيُرَاجِعْهَا " أَنَّهَا رَجْعَةُ الْمُطَلَّقَةِ. وَبَنَوْا عَلَى هَذَا أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْحَيْضِ يُؤْمَرُ بِرَجْعَتِهَا مَعَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ. وَهَلْ هُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ؟ أَوْ أَمْرُ إيجَابٍ؟ عَلَى " قَوْلَيْنِ " هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد. وَالِاسْتِحْبَابُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وَالْوُجُوبُ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَهَلْ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَلِي حَيْضَةَ الطَّلَاقِ؟ أَوْ لَا يُطَلِّقُهَا إلَّا فِي طُهْرٍ مِنْ حَيْضَةٍ ثَانِيَةٍ؟ عَلَى " قَوْلَيْنِ " أَيْضًا هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد وَوَجْهَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَهَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ الثَّانِي؟ جُمْهُورُهُمْ لَا يُوجِبُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُوجِبُهُ وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد؛ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ يُوقِعُ الطَّلَاقَ؛ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فِي الدَّلِيلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute