وَهَذَا يَتَّضِحُ بِمَسْأَلَةِ أُخْرَى؛ وَهُوَ: أَنَّ الْأَرْضَ وَإِنْ كَانَتْ تُرَابًا أَوْ غَيْرَ تُرَابٍ إذَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ مِنْ بَوْلٍ أَوْ عَذِرَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا: فَإِنَّهُ إذَا صُبَّ الْمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى زَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ: فَالْمَاءُ وَالْأَرْضُ طَاهِرَانِ وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ الْمَاءُ فِي مَذْهَبِ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ فَكَيْفَ بِالْبَلَاطِ؟ وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ السَّطْحَ إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَأَصَابَهُ مَاءُ الْمَطَرِ حَتَّى أَزَالَ عَيْنَهَا كَانَ مَا يَنْزِلُ مِنْ الميازيب طَاهِرًا؛ فَكَيْفَ بِأَرْضِ الْحَمَّامِ؟ فَإِذَا كَانَ بِهَا بَوْلٌ أَوْ قَيْءٌ فَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ حَتَّى ذَهَبَتْ عَيْنُهُ: كَانَ الْمَاءُ وَالْأَرْضُ طَاهِرَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ الْمَاءُ؛ فَكَيْفَ إذَا جَرَى وَزَالَ عَنْ مَكَانِهِ؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ وَذَكَرْنَا بِضْعَةَ عَشَرَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَوْثِهِ فَإِذَا كَانَتْ طَاهِرَةً فَكَيْفَ بِالْمُسْتَحِيلِ مِنْهَا أَيْضًا؟ وَطَهَارَةُ هَذِهِ الْأَرْوَاثِ بَيِّنَةٌ فِي السُّنَّةِ فَلَا يُجْعَلُ الْخِلَافُ فِيهَا شُبْهَةً يُسْتَحَبُّ لِأَجْلِهِ اتِّقَاءُ مَا خَالَطَتْهُ؛ إذْ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُلَابِسُونَهَا. وَأَمَّا رَوْثُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ: فَهَذِهِ نَجِسَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى طَهَارَتِهَا؛ وَأَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ مِنْ الْأَرْوَاثِ وَالْأَبْوَالِ إلَّا بَوْلُ الْآدَمِيِّ وَعَذِرَتُهُ؛ لَكِنْ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ إذَا شَكَّ فِي الرَّوْثَةِ: هَلْ هِيَ مِنْ رَوْثِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute