للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ قِيلَ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ أَظْهَرَ فِي الْإِسْلَامِ التَّعْطِيلَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُ فِرْعَوْنَ هُوَ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمً فَضَحَّى بِهِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ ضَحُّوا تَقَبَّلَ اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ إنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، إنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ عُلُوًّا كَبِيرًا. ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ وَشَكَرَ لَهُ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَعَلَهُ كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا الْجَعْدُ إلَيْهِ يُنْسَبُ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَعْدِيُّ آخِرُ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ وَكَانَ شُؤْمُهُ عَادَ عَلَيْهِ حَتَّى زَالَتْ الدَّوْلَةُ؛ فَإِنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ الْبِدَعُ الَّتِي تُخَالِفُ دِينَ الرُّسُلِ انْتَقَمَ اللَّهُ مِمَّنْ خَالَفَ الرُّسُلَ وَانْتَصَرَ لَهُمْ؛ وَلِهَذَا لَمَّا ظَهَرَتْ الْمَلَاحِدَةُ الْبَاطِنِيَّةُ وَمَلَكُوا الشَّامَ وَغَيْرَهَا ظَهَرَ فِيهَا النِّفَاقُ وَالزَّنْدَقَةُ الَّذِي هُوَ بَاطِنُ أَمْرِهِمْ وَهُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِ فِرْعَوْنَ " إنْكَارُ الصَّانِعِ وَإِنْكَارُ عِبَادَتِهِ " وَخِيَارُ مَا كَانُوا يَتَظَاهَرُونَ بِهِ الرَّفْضُ فَكَانَ خِيَارُهُمْ وَأَقْرَبُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ الرَّافِضَةُ وَظَهَرَ بِسَبَبِهِمْ الرَّفْضُ وَالْإِلْحَادُ حَتَّى كَانَ مَنْ كَانَ يَنْزِلُ الشَّامَ مِثْلُ بَنِي حَمْدَانَ الْغَالِيَةِ وَنَحْوِهِمْ مُتَشَيِّعِينَ؛ وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي بويه فِي الْمَشْرِقِ. وَكَانَ ابْنُ سِينَا وَأَهْلُ بَيْتِهِ مِنْ أَهْلِ دَعْوَتِهِمْ قَالَ: وَبِسَبَبِ ذَلِكَ اشْتَغَلْت فِي الْفَلْسَفَةِ وَكَانَ مَبْدَأُ ظُهُورِهِمْ مِنْ حِينِ تَوَلَّى الْمُقْتَدِرُ وَلَمْ يَكُنْ بَلَغَ بَعْدُ وَهُوَ مَبْدَأُ انْحِلَالِ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ حِينَئِذٍ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْأُمَوِيُّ الَّذِي كَانَ بِالْأَنْدَلُسِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى