الْوُضُوءِ مِنْهَا صَارَ فِيهِمْ مِنْ الْحِقْدِ مَا صَارَ. وَلِهَذَا {أَمَرَ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ} وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ أَنَّهُ أَكَلَ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ فَقِيلَ: إنَّ الْأَوَّلَ مَنْسُوخٌ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ ذَلِكَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى هَذَا بَلْ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَإِسْلَامُهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ تَارِيخِ بَعْضِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ كَحَدِيثِ السَّوِيقِ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرِ فَإِنَّهُ كَانَ قَبْلَ إسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقِيلَ: بَلْ الْأَمْرُ بِالتَّوَضُّؤِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ اسْتِحْبَابٌ كَالْأَمْرِ بِالتَّوَضُّؤِ مِنْ الْغَضَبِ وَهَذَا أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ وَهُمَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد. فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ التَّنَافِي وَالتَّارِيخِ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ بِخِلَافِ حَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَإِنَّ لَهُ نَظَائِرَ كَثِيرَةً. وَكَذَلِكَ التَّوَضُّؤُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَمَسِّ النِّسَاءِ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ؛ فَالتَّوَضُّؤُ مِمَّا يُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ كَالتَّوَضُّؤِ مِنْ الْغَضَبِ وَمَا مَسَّتْهُ النَّارُ: هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ: فَإِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالشَّيْطَانُ مِنْ النَّارِ وَأَمَّا لَحْمُ الْإِبِلِ فَقَدْ قِيلَ: التَّوَضُّؤُ مِنْهُ مُسْتَحَبٌّ لَكِنَّ تَفْرِيقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَحْمِ الْغَنَمِ - مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مَسَّتْهُ النَّارُ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ مُسْتَحَبٌّ - دَلِيلٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَمَا فَوْقَ الِاسْتِحْبَابِ إلَّا الْإِيجَابُ وَلِأَنَّ الشَّيْطَنَةَ فِي الْإِبِلِ لَازِمَةٌ وَفِيمَا مَسَّتْهُ النَّارُ عَارِضَةٌ وَلِهَذَا نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِهَا لِلُزُومِ الشَّيْطَانِ لَهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِهَا فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ عَارِضٌ وَالْحُشُوشُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute