وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَهَا. فَلَوْ عُرِفَتْ أُصُولُهُ بِمَسَائِلِهِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى أُصُولِهِ: لَلَزِمَ الدَّوْرُ بَلْ تُوجِدُ أُصُولُهُ مُسَلَّمَةً وَيُقَدَّرُ فِي عِلْمٍ أَعْلَى مِنْهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْعِلْمِ إلَّا عَلَى النَّاظِرِ فِي الْوُجُودِ وَلَوَاحِقِهِ وَهَذَا قَالُوهُ فِي مِثْلِ الطِّبِّ وَالْحِسَابِ إنَّ الطَّبِيبَ إنَّمَا هُوَ طَبِيبٌ يَنْظُرُ فِي بَدَنِ الْحَيَوَانِ وَأَخْلَاطِهِ وَأَعْضَائِهِ لِيَحْفَظَهُ صِحَّتَهُ إنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً وَيُعِيدُهَا إلَيْهِ إنْ كَانَتْ مَفْقُودَةً وَبَدَنُ الْحَيَوَانِ جُزْءٌ مِنْ الْمُوَلِّدَاتِ فِي الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ أَخْلَاطُهُ. فَأَعَمُّ مِنْهُ: النَّظَرُ فِي الْمُوَلِّدَاتِ مِنْ الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ؛ الْمَاءُ وَالْهَوَاءُ وَالنَّارُ وَالْأَرْضُ. وَأَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ النَّظَرُ فِي الْجِسْمِ الْمُسْتَحِيلِ ثُمَّ فِي الْجِسْمِ الْمُطْلَقِ فَمَا مِنْ عِلْمٍ يَتَعَلَّقُ بِمَوْضُوعِ بِبَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ الْعَيْنِيَّةِ أَوْ الْعِلْمِيَّةِ إلَّا وَأَعَمُّ مِنْهُ: مَا يَشْتَرِكُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهِ. فَأَمَّا إدْخَالُ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى الْعُلُومِ وَأَشْرَفُهَا فِي هَذَا وَجَعْلُهُ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْعِلْمِ الْأَعْلَى - عِنْدَهُمْ - النَّاظِرِ فِي الْوُجُودِ وَلَوَاحِقِهِ وَكَذَلِكَ مَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ الْعِلْمِ بِمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَهَذَا مَنْشَأُ الضَّلَالِ الْقِيَاسِيِّ. وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الْأَعْلَى وَهُوَ الْأَكْبَرُ وَلِهَذَا: كَانَ شِعَارُ أَكْمَلِ الْمِلَلِ هُوَ: اللَّهُ أَكْبَرُ فِي صَلَوَاتِهِمْ وَأَذَانِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: {يَا عَدِيُّ: مَا يفرك أَيَفِرُّك أَنْ يُقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute