للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَقُولَ: خَيْرًا تَلَقَّاهُ وَشَرًّا تَوَقَّاهُ خَيْرًا لَنَا وَشَرًّا لِأَعْدَائِنَا} فَإِنَّهُ إذَا أَصَابَ الْعَبْدَ شَرٌّ سُرَّ قَلْبُ عَدُوِّهِ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لِهَذَا وَشَرٌّ لِهَذَا؛ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيًّا وَلَا عَدُوًّا فَلَيْسَ فِي حَقِّهِ خَيْرًا وَلَا شَرًّا وَلَيْسَ فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ مَا يُؤْلِمُ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ دَائِمًا وَلَا مَا يُؤْلِمُ جُمْهُورَهُمْ دَائِمًا؛ بَلْ مَخْلُوقَاتُهُ إمَّا مُنْعِمَةٌ لَهُمْ أَوْ لِجُمْهُورِهِمْ فِي أَغْلَبِ الْأَوْقَاتِ كَالشَّمْسِ وَالْعَافِيَةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ مَا هُوَ شَرٌّ مُطْلَقًا عَامًّا. فَعُلِمَ أَنَّ الشَّرَّ الْمَخْلُوقَ الْمَوْجُودَ شَرٌّ مُقَيَّدٌ خَاصٌّ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ هُوَ بِهِ خَيْرٌ وَحُسْنٌ وَهُوَ أَغْلَبُ وَجْهَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إلَّا بِالْحَقِّ} وَقَالَ: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} . وَقَدْ عَلَم الْمُسْلِمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا مَا إلَّا لِحِكْمَةِ؛ فَتِلْكَ الْحِكْمَةُ وَجْهُ حُسْنِهِ وَخَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ شَرٌّ مَحْضٌ لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ؛ وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك} وَكَوْنُ الشَّرِّ لَمْ يُضَفْ إلَى اللَّهِ وَحْدَهُ؛ بَلْ إمَّا بِطْرِيقِ الْعُمُوم أَوْ يُضَافُ إلَى السَّبَبِ أَوْ يُحْذَفُ فَاعِلُهُ.