للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ {إلَهًا وَاحِدًا} بَدَلًا. لِأَنَّ هَذَا كُلٌّ مِنْ كُلٍّ لَيْسَ هُوَ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ. فَعَلِمَ أَنَّ إلَهَهُ وَإِلَهَ آبَائِهِ لَا يَكُونُ إلَّا إلَهًا وَاحِدًا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: قَوْلُهُ {إلَهًا وَاحِدًا} نُصِبَ عَلَى الْحَالِ لَكِنَّهَا حَالٌ لَازِمَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا إلَهًا وَاحِدًا كَقَوْلِهِ {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا مُصَدِّقًا. وَمِنْهُ {مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} . فَمَنْ عَبَدَ مَعَهُ غَيْرَهُ فَمَا عَبَدَهُ إلَهًا وَاحِدًا وَمَنْ أَشْرَكَ بِهِ فَمَا عَبَدَهُ. وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا إلَهًا وَاحِدًا. فَإِذَا لَمْ يَعْبُدُهُ فِي الْحَالِ اللَّازِمَةِ لَهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَالٌ أُخْرَى يَعْبُدُهُ فِيهَا فَمَا عَبَدَهُ.

فَإِنْ قِيلَ: الْمُشْرِكُ يَجْعَلُ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى فَهُوَ يَعْبُدُ فِي حَالٍ لَيْسَ هُوَ فِيهَا الْوَاحِدُ قِيلَ: هَذَا غَلَطٌ مَنْشَؤُهُ أَنَّ لَفْظَ " الْإِلَهِ " يُرَادُ بِهِ الْمُسْتَحِقُّ لِلْإِلَهِيَّةِ وَيُرَادُ بِهِ مَا اتَّخَذَهُ النَّاسُ إلَهًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَهًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ هِيَ أَسْمَاءٌ سَمَّوْهَا هُمْ وَآبَاؤُهُمْ. فَتِلْكَ لَيْسَتْ فِي نَفْسِهَا آلِهَةً وَإِنَّمَا هِيَ آلِهَةٌ فِي أَنْفُسِ الْعَابِدِينَ. فَإِلَهِيَّتُهَا أَمْرٌ قَدَّرَهُ الْمُشْرِكُونَ وَجَعَلُوهُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلْخَارِجِ كَاَلَّذِي يَجْعَلُ مَنْ لَيْسَ بِعَالَمِ عَالِمًا وَمَنْ لَيْسَ بِحَيِّ حَيًّا وَمَنْ لَيْسَ بِصَادِقِ وَلَا عَدْلٍ صَادِقًا وَعَدْلًا فَيُقَالُ: هَذَا عِنْدَك صَادِقٌ وَعَادِلٌ وَعَالِمٌ وَتِلْكَ اعْتِقَادَاتٌ غَيْرُ مُطَابِقَةٍ وَأَقْوَالٌ كَاذِبَةٌ غَيْرُ لَائِقَةٍ.