وَأَمَّا الشَّافِعُ فَسَائِلٌ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي الشَّفَاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَظِيمًا وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ بَرِيرَةَ أَنْ تُمْسِكَ زَوْجَهَا وَلَا تُفَارِقَهُ لَمَّا أُعْتِقَتْ وَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ وَكَانَ زَوْجُهَا يُحِبُّهَا فَجَعَلَ يَبْكِي فَسَأَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُمْسِكَهُ فَقَالَتْ أَتَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ لَا إنَّمَا أَنَا شَافِعٌ} . وَإِنَّمَا قَالَتْ " أَتَأْمُرُنِي؟ " وَقَالَ: " إنَّمَا أَنَا شَافِعٌ " لِمَا اسْتَقَرَّ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ طَاعَةَ أَمْرِهِ وَاجِبَةٌ بِخِلَافِ شَفَاعَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُ شَفَاعَتِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَلُمْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَرْكِ قَبُولِ شَفَاعَتِهِ فَشَفَاعَةُ غَيْرِهِ مِنْ الْخَلْقِ أَوْلَى أَنْ لَا يَجِبَ قَبُولُهَا.
وَالْخَالِقُ جَلَّ جَلَالُهُ أَمْرُهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ شَافِعًا إلَى مَخْلُوقٍ بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَى شَأْنًا مِنْ أَنْ يَشْفَعَ أَحَدٌ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إنِّي إلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} . وَدَلَّ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْتَشْفَعُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَيْ يُطْلَبُ مِنْهُ أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ الشَّفَاعَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَيَطْلُبُ مِنْهُ الْخَلْقُ الشَّفَاعَةَ فِي أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَفِي أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَيَشْفَعُ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ وَيَشْفَعُ فِي بَعْضِ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّارَ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا وَيَشْفَعُ فِي بَعْضِ مَنْ دَخَلَهَا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute