قَطْعًا. فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا يَلْزَمُ فِيمَا أَخَّرَهُ فَلَمْ يُنْزِلْهُ فَإِنَّ لَهُ بَدَلًا وَلَا وَقْتَ لِنُزُولِ ذَلِكَ الْبَدَلِ قِيلَ: مَا أَخَّرَ نُزُولِهِ وَهُوَ يُرِيدُ إنْزَالَهُ مَعْلُومٌ وَالْبَدَلُ الَّذِي هُوَ مِثْلُهُ أَوْ خَيْرٌ مِنْهُ يُؤْتَى بِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَإِنَّ الْقُرْآنَ مَا زَالَ يَنْزِلُ وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا أَخَّرَ نُزُولَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْزِلَ قَبْلَهُ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ خَيْرٌ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فَإِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ الْقُرْآنِ نُزُولُهُ لَمْ يُنْسَخْ كَثِيرٌ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا تَأَخَّرَ نُزُولُهُ كَالْآيَاتِ الْمَكِّيَّةِ فَإِنَّ فِيهَا مِنْ بَيَانِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ وَأُصُولِ الشَّرَائِعِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَفَاصِيلِ الشَّرَائِعِ كَمَسَائِلِ الرِّبَا وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَهَذَا الَّذِي أَخَّرَهُ اللَّهُ مِثْلَ آيَةِ الرِّبَا فَإِنَّهَا مِنْ أَوَاخِرِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا آخِرُ مَا نَزَلَ وَكَذَلِكَ آيَةُ الدَّيْنِ وَالْعِدَّةِ وَالْحَيْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ قَبْلَهُ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مِنْ الشَّرَائِعِ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ هَذَا وَفِيهَا مِنْ الْأُصُولِ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ هَذَا. وَلِهَذَا كَانَتْ سُورَةُ " الْأَنْعَامِ " أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا وَكَذَلِكَ سُورَةُ " يس " وَنَحْوُهَا مِنْ السُّوَرِ الَّتِي فِيهَا أُصُولُ الدِّينِ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا الرُّسُلُ كُلُّهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وَلِهَذَا كَانَتْ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مَعَ قِلَّةِ حُرُوفِهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ فِيهَا التَّوْحِيدَ فَعُلِمَ أَنَّ آيَاتِ التَّوْحِيدِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا وَفَاتِحَةُ الْكِتَابِ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ بِلَا رَيْبٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute