للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاتِّبَاعِ الرُّسُلِ فِي الْعِلْمِ وَالْهُدَى وَالصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ فِي عَقَائِدِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَهَذَا بَيِّنٌ فِي أَنَّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَالْإِثْبَاتُ وَطَرِيقُ الْكَافِرِينَ مِنْ الْمُعَطِّلَةِ وَنَحْوِهِمْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ النَّهْيُ وَالنَّفْيُ وَهَذَا مِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى تَرْجِيحِ الْأَمْرِ وَالْإِثْبَاتِ عَلَى النَّهْيِ وَالنَّفْيِ.

الْوَجْهُ الْحَادِيَ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ النَّفْيَ وَالنَّهْيَ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْبِقَهُ ثُبُوتٌ وَأَمْرٌ بِخِلَافِ الْأَمْرِ وَالْإِثْبَاتِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَعْدُومَ ابْتِدَاءً وَلَا يَقْصِدَ الْمَعْدُومَ ابْتِدَاءً وَقَدْ قَرَّرْت هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَبَيَّنْت أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَعْدُومَ إلَّا بِتَوَسُّطِ تَصَوُّرِ الْمَوْجُودِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ تَصَوُّرُهُ لَمْ يُمْكِنْهُ قَصْدُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ فَإِنَّ الْقَصْدَ وَالْإِرَادَةَ مَسْبُوقٌ بِالشُّعُورِ وَالتَّصَوُّرِ وَالْأَمْرُ فِي الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ أَوْكَدُ مِنْهُ فِي الشُّعُورِ وَالْعِلْمِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَتَصَوَّرُ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ وَيُخْبِرُ عَنْهُمَا وَأَمَّا إرَادَةُ الْمَعْدُومِ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنَّمَا إرَادَةُ عَدَمِ الشَّيْءِ هِيَ بُغْضُهُ وَكَرَاهَتُهُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إمَّا أَنْ يُرِيدَ وُجُودَ الشَّيْءِ أَوْ عَدَمَهُ أَوْ لَا يُرِيدَ وُجُودَهُ وَلَا عَدَمَهُ فَالْأَوَّلُ هُوَ أَصْلُ الْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ إرَادَةُ عَدَمِهِ فَهُوَ بُغْضُهُ وَكَرَاهَتُهُ وَذَلِكَ مَسْبُوقٌ بِتَصَوُّرِ الْمُبْغِضِ الْمَكْرُوهِ فَصَارَ الْبُغْضُ وَالْكَرَاهَةُ لِلشَّيْءِ الْمُقْتَضِي لِتَرْكِهِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ النَّاهِي وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْمَنْهِيِّ فَرْعًا مِنْ جِهَتَيْنِ: