للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا " قِيَاسُ الْأَوْلَى " الَّذِي كَانَ يَسْلُكُهُ السَّلَفُ اتِّبَاعًا لِلْقُرْآنِ: فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي لَا نَقْصَ فِيهَا أَكْمَلُ مِمَّا عَلِمُوهُ ثَابِتًا لِغَيْرِهِ مَعَ التَّفَاوُتِ الَّذِي لَا يَضْبِطُهُ الْعَقْلُ كَمَا لَا يَضْبِطُ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْخَالِقِ وَبَيْنَ الْمَخْلُوقِ بَلْ إذَا كَانَ الْعَقْلُ يُدْرِكُ مِنْ التَّفَاضُلِ الَّذِي بَيْنَ مَخْلُوقٍ وَمَخْلُوقٍ مَا لَا يَنْحَصِرُ قَدْرُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فَضْلَ اللَّهِ عَلَى كُلِّ مَخْلُوقٍ أَعْظَمُ مِنْ فَضْلِ مَخْلُوقٍ عَلَى مَخْلُوقٍ كَانَ هَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ لَهُ أَنَّ مَا يَثْبُتُ لِلرَّبِّ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَا يَثْبُتُ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ بِمَا لَا يُدْرَكُ قَدْرُهُ. فَكَأَنَّ " قِيَاسَ الْأَوْلَى " يُفِيدُهُ أَمْرًا يَخْتَصُّ بِهِ الرَّبُّ مَعَ عِلْمِهِ بِجِنْسِ ذَلِكَ الْأَمْرِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْحُذَّاقُ يَخْتَارُونَ أَنَّ الْأَسْمَاءَ الْمَقُولَةَ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ مَقُولَةٌ بِطْرِيقِ التَّشْكِيكِ لَيْسَتْ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَلَا بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي تَتَمَاثَلُ أَفْرَادُهُ؛ بَلْ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي تَتَفَاضَلُ أَفْرَادُهُ كَمَا يُطْلَقُ لَفْظُ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ عَلَى الشَّدِيدِ كَبَيَاضِ الثَّلْجِ وَعَلَى مَا دُونَهُ كَبَيَاضِ الْعَاجِ. فَكَذَلِكَ لَفْظُ الْوُجُودِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ وَهُوَ فِي الْوَاجِبِ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ مِنْ فَضْلِ هَذَا الْبَيَاضِ عَلَى هَذَا الْبَيَاضِ؛ لَكِنَّ هَذَا التَّفَاضُلَ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُشَكَّكَةِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْمَعْنَى مُشْتَرَكًا كُلِّيًّا فَلَا بُدَّ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُشَكَّكَةِ مِنْ مَعْنًى كُلِّيٍّ مُشْتَرَكٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الذِّهْنِ. وَذَلِكَ هُوَ مَوْرِدُ " التَّقْسِيمِ ": تَقْسِيمُ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ إذَا قِيلَ الْمَوْجُودُ يَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ؛ فَإِنَّ مَوْرِدَ التَّقْسِيمِ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْأَقْسَامِ. ثُمَّ كَوْنُ