وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ فِي الْمُخَاطَبَاتِ تَكُونُ بِحَسَبِ الْحَاجَاتِ؛ كَالسِّلَاحِ فِي الْمُحَارَبَاتِ. فَإِذَا كَانَ عَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ - فِي تَحَصُّنِهِمْ وَتَسَلُّحِهِمْ - عَلَى صِفَةٍ غَيْرِ الصِّفَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فَارِسُ وَالرُّومُ: كَانَ جِهَادُهُمْ بِحَسَبِ مَا تُوجِبُهُ الشَّرِيعَةُ الَّتِي مَبْنَاهَا عَلَى تَحَرِّي مَا هُوَ لِلَّهِ أَطْوَعُ وَلِلْعَبْدِ أَنْفَعُ وَهُوَ الْأَصْلَحُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَدْ يَكُونُ الْخَبِيرُ بِحُرُوبِهِمْ أَقْدَرُ عَلَى حَرْبِهِمْ مِمَّنْ لَيْسَ كَذَلِكَ لَا لِفَضْلِ قُوَّتِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَلَكِنْ لِمُجَانَسَتِهِ لَهُمْ كَمَا يَكُونُ الْأَعْجَمِيُّ الْمُتَشَبِّهُ بِالْعَرَبِ - وَهُمْ خِيَارُ الْعَجَمِ - أَعْلَمَ بِمُخَاطَبَةِ قَوْمِهِ الْأَعَاجِمِ مِنْ الْعَرَبِيِّ وَكَمَا يَكُونُ الْعَرَبِيُّ الْمُتَشَبِّهُ بِالْعَجَمِ - وَهُمْ أَدْنَى الْعَرَبِ - أَعْلَمَ بِمُخَاطَبَةِ الْعَرَبِ مِنْ الْعَجَمِيِّ. فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: {خِيَارُ عَجَمِكُمْ: الْمُتَشَبِّهُونَ بِعَرِبِكُمْ. وَشِرَارُ عَرِبِكُمْ الْمُتَشَبِّهُونَ بِعَجَمِكُمْ} . وَلِهَذَا لَمَّا حَاصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَ رَمَاهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ؛ وَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا لَمْ يُقَاتِلْ غَيْرَهُمْ مِثْلَهُ فِي الْمُزَاحَفَةِ: كَيَوْمِ بَدْرٍ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لَمَّا حُوصِرَ الْمُسْلِمُونَ عَامَ الْخَنْدَقِ اتَّخَذُوا مِنْ الْخَنْدَقِ مَا لَمْ يَحْتَاجُوا إلَيْهِ فِي غَيْرِ الْحِصَارِ. وَقِيلَ: إنَّ سَلْمَانَ أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَسَلَّمُوا ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى فِعْلِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ.
وَقَدْ قَرَّرْنَا فِي قَاعِدَةِ " السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ ": أَنَّ الْبِدْعَةَ فِي الدِّينِ هِيَ مَا لَمْ يَشْرَعْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute