للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ} وَقَوْلِهِ: {لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ} وَأَمْثَالُ هَذَا مِنْ أَحَادِيثِ الْوَعِيدِ وَعَلَى هَذَا فَالْحَدِيثُ عَامٌّ فِي الْكُفَّارِ وَفِي الْمُسْلِمِينَ.

وَقَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ الْمُسْلِمِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِالْإِسْلَامِ فَيُقَالُ لَهُ: لَيْسَ كُلُّ الْمُسْلِمِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِلَا عَذَابٍ بَلْ أَهْلُ الْوَعِيدِ يَدْخُلُونَ النَّارَ وَيَمْكُثُونَ فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ مَعَ كَوْنِهِمْ لَيْسُوا كُفَّارًا فَالرَّجُلُ الَّذِي مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ وَلَهُ كَبَائِرُ قَدْ يَدْخُلُ النَّارَ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا: إمَّا بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ؛ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي} وَكَمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: {أُخْرِجَ مِنْ النَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ} وَهَكَذَا الْوَعِيدُ فِي قَاتِلِ النَّفْسِ وَالزَّانِي وَشَارِبِ الْخَمْرِ وَآكِلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَشَاهِدِ الزُّورِ وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ - وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كُفَّارًا - لَكِنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْجَنَّةِ الْمَوْعُودِينَ بِهَا بِلَا عِقَابٍ.

وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: أَنَّ فُسَّاقَ أَهْلِ الْمِلَّةِ لَيْسُوا مُخَلَّدِينَ فِي النَّارِ كَمَا قَالَتْ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَلَيْسُوا كَامِلِينَ فِي الدِّينِ وَالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ؛ بَلْ لَهُمْ حَسَنَاتٌ وَسَيِّئَاتٌ يَسْتَحِقُّونَ بِهَذَا الْعِقَابَ وَبِهَذَا الثَّوَابَ؛ وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.