للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحُكْمِ حَتَّى يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا وَيَحْضُرَهُ مِنْ مَسَافَةِ الدَّعْوَى الَّتِي هِيَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ بَرِيدٌ؛ وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ الذَّهَابُ إلَيْهِ وَالْعَوْدُ فِي يَوْمٍ؛ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ قَالَهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ كَمَا يَقُولُهُ أَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ ثُمَّ الْحَاكِمُ قَدْ يَكُونُ مَشْغُولًا عَنْ تَعْجِيلِ الْفَصْلِ وَقَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ حُكُومَاتٌ سَابِقَةٌ فَيَبْقَى الْمَطْلُوبُ مَحْبُوسًا مَعُوقًا مِنْ حِينِ يُطْلَبُ إلَى حِينِ يُفْصَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ وَهَذَا حَبْسٌ بِدُونِ التُّهْمَةِ فَفِي التُّهْمَةِ أَوْلَى.

فَإِنَّ " الْحَبْسَ الشَّرْعِيَّ " لَيْسَ هُوَ السِّجْنَ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَعْوِيقُ الشَّخْصِ وَمَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْتٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ كَانَ بِتَوْكِيلِ نَفْسِ الْخَصْمِ أَوْ وَكِيلِ الْخَصْمِ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسِيرًا كَمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَه عَنْ {الْهِرْمَاسِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَرِيمِ لِي فَقَالَ لِي: الْزَمْهُ ثُمَّ قَالَ: يَا أَخَا بَنِي تَمِيمٍ مَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ بِأَسِيرِك} وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَه {ثُمَّ مَرَّ بِي آخِرَ النَّهَارِ فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَسِيرُك يَا أَخَا بَنِي تَمِيمٍ؟} وَهَذَا هُوَ الْحَبْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ حَبْسًا مُعَدًّا لِسَجْنِ النَّاسِ وَلَكِنْ لَمَّا انْتَشَرَتْ الرَّعِيَّةُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ابْتَاعَ بِمَكَّةَ دَارًا وَجَعَلَهَا سِجْنًا وَحَبَسَ فِيهَا.وَلَقَدْ