للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهَذِهِ الْأُمُورُ هِيَ مِنْ الدِّينِ الَّذِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الشَّرَائِعُ كَعَامَّةِ مَا فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ فَإِنَّ السُّوَرَ الْمَكِّيَّةَ تَضَمَّنَتْ الْأُصُولَ الَّتِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا رُسُلُ اللَّهِ؛ إذْ كَانَ الْخِطَابُ فِيهَا يَتَضَمَّنُ الدَّعْوَةَ لِمَنْ لَا يُقِرُّ بِأَصْلِ الرِّسَالَةِ وَأَمَّا السُّوَرُ الْمَدَنِيَّةُ فَفِيهَا الْخِطَابُ لِمَنْ يُقِرُّ بِأَصْلِ الرِّسَالَةِ كَأَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ آمَنُوا بِبَعْضِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِ وَكَالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ آمَنُوا بِكُتُبِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ؛ وَلِهَذَا قَرَّرَ فِيهَا الشَّرَائِعَ الَّتِي أَكْمَلَ اللَّهُ بِهَا الدِّينَ: كَالْقِبْلَةِ وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْجِهَادِ وَأَحْكَامِ المناكح وَنَحْوِهَا؛ وَأَحْكَامِ الْأَمْوَالِ بِالْعَدْلِ كَالْبَيْعِ وَالْإِحْسَانِ كَالصَّدَقَةِ وَالظُّلْمِ كَالرِّبَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ تَمَامِ الدِّينِ. وَلِهَذَا كَانَ الْخِطَابُ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} لِعُمُومِ الدَّعْوَةِ إلَى الْأُصُولِ؛ إذْ لَا يُدْعَى إلَى الْفَرْعِ مَنْ لَا يُقِرُّ بِالْأَصْلِ فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ وَعَزَّ بِهَا أَهْلُ الْإِيمَانِ وَكَانَ بِهَا أَهْلُ الْكِتَابِ خُوطِبَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ؛ فَهَؤُلَاءِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وَهَؤُلَاءِ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} أَوْ {يَا بَنِي إسْرَائِيلَ} وَلَمْ يَنْزِلْ بِمَكَّةَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا؛ وَلَكِنْ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ خِطَابُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} كَمَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَسُورَةِ الْحَجِّ وَهُمَا مَدَنِيَّتَانِ وَكَذَا فِي الْبَقَرَةِ. وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى قَوْلِ الْحَبْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ يَشْمَلُ جِنْسَ النَّاسِ وَالدَّعْوَةُ بِالِاسْمِ الْخَاصِّ لَا تُنَافِي الدَّعْوَةَ بِالِاسْمِ الْعَامِّ