هُوَ فَهُوَ مُكَابَرَةٌ. وَهَذَا أَوَّلُ مَا احْتَجُّوا بِهِ عَلَى الْإِمَامِ أَحْمَد فِي الْمِحْنَةِ فَإِنَّ الْمُعْتَصِمَ لَمَّا قَالَ لَهُمْ: نَاظِرُوهُ قَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إسْحَاقَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ - أَوْ قَالَ فِي كَلَامِ اللَّهِ - يَعْنِي أَهُوَ اللَّهُ أَوْ غَيْرُهُ؟ فَقَالَ لَهُ أَحْمَد: مَا تَقُولُ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَهُوَ اللَّهُ أَوْ غَيْرُهُ؟ فَعَارَضَهُ أَحْمَد بِالْعِلْمِ فَسَكَتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَهَذَا مِنْ حُسْنِ مَعْرِفَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِالْمُنَاظَرَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ. فَإِنَّ الْمُبْتَدِعَ الَّذِي بَنَى مَذْهَبَهُ عَلَى أَصْلٍ فَاسِدٍ مَتَى ذَكَرْت لَهُ الْحَقَّ الَّذِي عِنْدَك ابْتِدَاءً أَخَذَ يُعَارِضُك فِيهِ؛ لِمَا قَامَ فِي نَفْسِهِ مِنْ الشُّبْهَةِ فَيَنْبَغِي إذَا كَانَ الْمَنَاظِرُ مُدَّعِيًا أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِهَدْمِ مَا عِنْدَهُ فَإِذَا انْكَسَرَ وَطَلَبَ الْحَقَّ فَأَعْطِهِ إيَّاهُ وَإِلَّا فَمَا دَامَ مُعْتَقِدًا نَقِيضَ الْحَقِّ لَمْ يَدْخُلْ الْحَقُّ إلَى قَلْبِهِ كَاللَّوْحِ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ كَلَامٌ بَاطِلٌ اُمْحُهُ أَوَّلًا ثُمَّ اُكْتُبْ فِيهِ الْحَقَّ. وَهَؤُلَاءِ كَانَ قَصْدُهُمْ الِاحْتِجَاجَ لِبِدْعَتِهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْمُعَارَضَةِ وَالنَّقْضِ مَا يُبْطِلُهَا. وَقَدْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ أَحْمَد فِي رَدِّهِ عَلَى الْجَهْمِيَّة فِي جَوَابِ هَذَا وَبَيَّنَ أَنَّ لَفْظَ " الْغَيْرِ " لَمْ يَنْطِقْ بِهِ الشَّرْعُ لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا لَفْظُ " الْغَيْرِ " فِي كَلَامِ الشَّارِعِ وَلَا غَيْرَ دَاخِلٍ فَلَا يَقُومُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مَخْلُوقٌ. وَأَيْضًا فَهُوَ لَفْظٌ مُجْمَلٌ: يُرَادُ بِالْغَيْرِ مَا هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْ الشَّيْءِ وَيُرَادُ بِالْغَيْرِ مَا لَيْسَ هُوَ الشَّيْءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute