للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِقُوًى لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا، وَبِسَبَبِ عَدَمِ الْقُوَّةِ قَدْ تَحْصُلُ لَهُ أَمْرَاضٌ وُجُودِيَّةٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ حِكْمَتِهِ، وَتَحْقِيقُ هَذَا يَدْفَعُ شُبُهَاتِ هَذَا الْبَابِ. وَمِمَّا ذُكِرَ فِيهِ الْعُقُوبَةُ عَلَى عَدَمِ الْإِيمَانِ قَوْله تَعَالَى {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} هَذَا مِنْ تَمَامِ قَوْلِهِ: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} فَذَكَرَ أَنَّ هَذَا التَّقْلِيبَ يَكُونُ لِمَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَهَذَا عَدَمُ الْإِيمَانِ؛ لَكِنْ يُقَالُ: هَذَا بَعْدَ دُعَاءِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ، وَقَدْ كَذَّبُوا وَتَرَكُوا الْإِيمَانَ، وَهَذِهِ أُمُورٌ وُجُودِيَّةٌ؛ لَكِنَّ الْمُوجِبَ هُوَ عَدَمُ الْإِيمَانِ، وَمَا ذُكِرَ شَرْطٌ فِي التَّعْذِيبِ، كَإِرْسَالِ الرَّسُولِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَشْتَغِلُ عَنْ الْإِيمَانِ بِمَا جِنْسُهُ مُبَاحٌ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعُقُوبَةَ إلَّا لِأَنَّهُ شَغَلَهُ عَنْ الْإِيمَانِ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ ضِدُّ الْإِيمَانِ هُوَ تَرْكُهُ، وَهُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لَا ضِدَّ لَهُ إلَّا ذَلِكَ.

الْفَرْقُ السَّابِعُ: أَنَّ السَّيِّئَاتِ الَّتِي هِيَ الْمَصَائِبُ لَيْسَ لَهَا سَبَبٌ إلَّا ذَنْبُهُ الَّذِي مِنْ نَفْسِهِ، وَمَا يَصِيرُ مِنْ الْخَيْرِ لَا تَنْحَصِرُ أَسْبَابُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ يَحْصُلُ بِعَمَلِهِ وَبِغَيْرِ عَمَلِهِ، وَعَمَلُهُ مِنْ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَجْزِيهِ بِقَدْرِ الْعَمَلِ بَلْ يُضَاعِفُهُ فَلَا يَتَوَكَّلُ إلَّا عَلَى اللَّهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَّا إلَيْهِ، فَهُوَ يَسْتَحِقُّ الشُّكْرَ الْمُطْلَقَ الْعَامَّ التَّامَّ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ غَيْرُهُ مِنْ الشُّكْرِ مَا يَكُونُ جَزَاءً عَلَى مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ، كَشُكْرِ الْوَالِدَيْنِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ؛ لَكِنْ لَا يَبْلُغُ مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ وَإِنْعَامِهِ أَنْ يَشْكُرَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ أَوْ يُطَاعَ بِمَعْصِيَتِهِ؛ فَإِنَّهُ هُوَ