فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} وَكَمَا رَخَّصَ لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحِ. وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَا يَرَى وُقُوعَ الطَّلَاقِ إلَّا مِنْ الْقَصْدِ؛ وَلَا يَرَى وُقُوعَ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ؛ كَمَا لَا يَكْفُرُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ مُكْرَهًا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ؛ وَلَوْ تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ مُسْتَهْزِئًا بِآيَاتِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ كَفَرَ؛ كَذَلِكَ مَنْ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا وَقَعَ بِهِ. وَلَوْ حَلَفَ بِالْكُفْرِ فَقَالَ: إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ أَوْ فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ. لَمْ يَكْفُرْ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ؛ وَإِنْ كَانَ هَذَا حُكْمًا مُعَلَّقًا بِشَرْطِ فِي اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْحَلِفُ بِهِ بُغْضًا لَهُ وَنُفُورًا عَنْهُ؛ لَا إرَادَةً لَهُ؛ بِخِلَافِ مَنْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتُمُونِي أَلْفًا كَفَرْت فَإِنَّ هَذَا يَكْفُرُ. وَهَكَذَا يَقُولُ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَتَعْلِيقِهِ بِشَرْطِ لَا يُقْصَدُ كَوْنُهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ الْمَقْصُودِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ.
وَلِهَذَا ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَى أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ لِلنِّكَاحِ؛ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ افْتَدَتْ نَفْسَهَا مِنْ الزَّوْجِ كَافْتِدَاءِ الْأَسِيرِ؛ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الطَّلَاقِ الْمَكْرُوهِ فِي الْأَصْلِ وَلِهَذَا يُبَاحُ فِي الْحَيْضِ؛ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ. وَأَمَّا إذَا عَدَلَ هُوَ عَنْ الْخُلْعِ وَطَلَّقَهَا إحْدَى الثَّلَّاتِ بِعِوَضِ فَالتَّفْرِيطُ مِنْهُ. وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: كَعُثْمَانِ بْنِ عفان وَغَيْرِهِ؛ وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا. وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد جَعَلُوهُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فَسْخًا. كَالْإِقَالَةِ. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا هُوَ مَعَ الْمَرْأَةِ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ افْتِدَاءُ الْمَرْأَةِ كَمَا يُفْدَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute