وَكَانَ " الْخُلَفَاءُ وَالْأُمَرَاءُ " يَسْكُنُونَ فِي بُيُوتِهِمْ كَمَا يَسْكُنُ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ فِي بُيُوتِهِمْ؛ لَكِنَّ مَجْلِسَ الْإِمَامِ الْجَامِعَ هُوَ الْمَسْجِدُ الْجَامِعُ. وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ قَدْ بَنَى لَهُ بِالْكُوفَةِ قَصْرًا وَقَالَ: أَقْطَعُ عَنِّي النَّاسُ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُحَمَّدَ بْنَ مسلمة وَأَمَرَهُ أَنْ يُحْرِقَهُ فَاشْتَرَى مِنْ نَبَطِيٍّ حُزْمَة حَطَبٍ وَشَرْطٍ عَلَيْهِ حَمَلَهَا إلَى قَصْرِهِ فَحَرَقَهُ؛ فَإِنَّ عُمْر كُرْه لِلْوَالِي الِاحْتِجَاب عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ وَلَكِنْ بُنِيَتْ قُصُورُ الْأُمَرَاءِ. فَلَمَّا كَانَتْ إمَارَة مُعَاوِيَة احْتَجَبَ لِمَا خَافَ أَنْ يَغْتَالَ كَمَا اُغْتِيلَ عَلَيَّ وَاُتُّخِذَ الْمَقَاصِير فِي الْمَسَاجِدِ لِيُصَلِّيَ فِيهَا ذُو السُّلْطَانِ وَحَاشِيَته وَاِتَّخَذَ الْمَرَاكِبَ؛ فَاسْتَنَّ بِهِ الْخُلَفَاءُ الْمُلُوك بِذَلِكَ فَصَارُوا مَعَ كَوْنِهِمْ يَتَوَلَّوْنَ الْحَرْبَ وَالصَّلَاةَ بِالنَّاسِ وَيُبَاشِرُونَ الْجُمْعَة وَالْجَمَاعَة وَالْجِهَاد وَإِقَامَة الْحُدُودِ: لَهُمْ قُصُور يَسْكُنُونَ فِيهَا وَيَغْشَاهُمْ رُءُوس النَّاسِ فِيهَا كَمَا كَانَتْ " الْخَضْرَاء " لِبَنِي أُمِّيَّة قَبَلِيّ الْمَسْجِد الْجَامِع وَالْمَسَاجِد يَجْتَمِعُ فِيهَا لِلْعِبَادَاتِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
فَصْلٌ:
طَالَ الْأَمَدُ وَتَفَرَّقَتْ الْأُمَّةُ وَتَمَسَّكَ كُلُّ قَوْمٍ بِشُعْبَةِ مِنْ الدِّينِ بِزِيَادَاتِ زَادُوهَا فَأَعْرَضُوا عَنْ شُعْبَةٍ مِنْهُ أُخْرَى. أَحْدَثَتْ الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ " الْقِلَاعَ وَالْحُصُونَ " وَإِنَّمَا كَانَتْ تُبْنَى الْحُصُونُ وَالْمَعَاقِلُ قَدِيمًا فِي الثُّغُورِ خَشْيَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute