للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكُلُّ مَنْ نَظَرَ فِي هَذَا نَظَرًا صَحِيحًا سَلِيمًا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَاتِ والقبالات الَّتِي تُسَمَّى الضَّمَانَاتِ. كَمَا تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ ضَمَانًا وَكَمَا سَمَّاهُ السَّلَفُ قِبَالَةً؛ لَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الْمُبَايَعَاتِ. وَأَحْكَامُ الْبَيْعِ مُنْتَفِيَةٌ فِي هَذَا مِنْ كَوْنِ مُؤْنَةِ التَّوْفِيَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَكُلُّ مَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْعِ الْمَعْدُومَاتِ: مِثْلَ نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الملاقيح وَالْمَضَامِينِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ وَهُوَ بَيْعُ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ وَأَرْحَامِ الْإِنَاثِ وَنَتَاجِ النَّتَاجِ. وَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ. وَهُوَ الْمُعَاوَمَةُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُشْتَرِيَ تِلْكَ الْأَعْيَانَ الَّتِي لَمْ تُخْلَقْ بَعْدُ وَأُصُولُهَا يَقُومُ عَلَيْهَا الْبَائِعُ فَهُوَ الَّذِي يَسْتَنْتِجُهَا وَيَسْتَثْمِرُهَا وَيُسَلِّمُ إلَى الْمُشْتَرِي مَا يَحْصُلُ مِنْ النَّتَاجِ وَالثَّمَرَةِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَفْعَلُونَهُ. وَهَذَا عَلَى تَفْسِيرِ الْجُمْهُورِ فِي " حَبَلِ الْحَبَلَةِ " أَنَّهُ بَيْعُ نَتَاجِ النَّتَاجِ فَإِنَّهُ يَكُونُ إبْطَالُهُ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ وَهَذِهِ الْبُيُوعُ الَّتِي نَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ مِنْ بَابِ الْقِمَارِ الَّذِي هُوَ مَيْسِرٌ وَذَلِكَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَأَصْحَابُ هَذِهِ الْأُصُولِ يُمْكِنُهُمْ تَأْخِيرُ الْبَيْعِ إلَى أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ مَا يَخْلُقُهُ مِنْ هَذِهِ الثِّمَارِ وَالْأَوْلَادِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُونَ هَذَا مُخَاطَرَةً ومباختة. وَالتِّجَارَاتُ بِضَمَانِ الْبُسْتَانِ لِمَنْ يَقُومُ عَلَيْهِ كَضَمَانِ الْأَرْضِ لِمَنْ يَقُومُ عَلَيْهَا فَيَزْدَرِعَهَا وَاحْتِكَارِ الْأَرْضِ لِمَنْ يَبْنِي فِيهَا وَيَغْرِسُ فِيهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ.