للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا يُقَالُ طَوْعًا وَكَرْهًا فَإِنَّ الطَّوْعَ وَالْكَرْهَ إنَّمَا يَكُونُ لِمَا يَفْعَلُهُ الْفَاعِلُ طَوْعًا وَكَرْهًا، فَأَمَّا مَا لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ: فَلَا يُقَالُ لَهُ سَاجِدٌ أَوْ قَانِتٌ، بَلْ وَلَا مُسْلِمٌ، بَلْ الْجَمِيعُ مُقِرُّونَ بِالصَّانِعِ بِفِطْرَتِهِمْ، وَهُمْ خَاضِعُونَ مُسْتَسْلِمُونَ قَانِتُونَ مُضْطَرُّونَ مِنْ وُجُوهٍ. مِنْهَا: عِلْمُهُمْ بِحَاجَتِهِمْ وَضَرُورَتِهِمْ إلَيْهِ. وَمِنْهَا: دُعَاؤُهُمْ إيَّاهُ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ. وَمِنْهَا: خُضُوعُهُمْ وَاسْتِسْلَامُهُمْ لِمَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْدَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ. وَمِنْهَا: انْقِيَادُهُمْ لِكَثِيرِ مِمَّا أَمَرَ بِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنَّ سَائِرَ الْبَشَرِ لَا يُمَكِّنُونَ الْعَبْدَ مِنْ مُرَادِهِ بَلْ يَقْهَرُونَهُ وَيُلْزِمُونَهُ بِالْعَدْلِ الَّذِي يَكْرَهُهُ، وَهُوَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَعِصْيَانُهُمْ لَهُ فِي بَعْضِ مَا أَمَرَ بِهِ - وَإِنْ كَانَ هُوَ التَّوْحِيدَ - لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُمْ قَانِتِينَ خَاضِعِينَ مُسْتَسْلِمِينَ كَرْهًا كَالْعُصَاةِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ خَاضِعُونَ لِلدِّينِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ، وَإِنْ كَانُوا يَعْصُونَهُ فِي أُمُورٍ. وَالْمُؤْمِنُ يَخْضَعُ لِأَمْرِ رَبِّهِ طَوْعًا، وَكَذَلِكَ لِمَا يُقَدِّرُهُ مِنْ الْمَصَائِبِ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُ عِنْدَهَا مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الصَّبْرِ وَغَيْرِهِ طَوْعًا، فَهُوَ مُسْلِمٌ لِلَّهِ طَوْعًا خَاضِعٌ لَهُ طَوْعًا، وَالسُّجُودُ مَقْصُودُهُ الْخُضُوعُ، وَسُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ سُجُودًا يُنَاسِبُهَا وَيَتَضَمَّنُ الْخُضُوعَ لِلرَّبِّ. وَأَمَّا فَقْرُ الْمَخْلُوقَاتِ إلَى اللَّهِ: بِمَعْنَى حَاجَتِهَا كُلِّهَا إلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهَا وَلَا شَيْءَ مِنْ صِفَاتِهَا وَأَفْعَالِهَا إلَّا بِهِ. فَهَذَا: أَوَّلُ دَرَجَاتِ الِافْتِقَارِ، وَهُوَ افْتِقَارُهَا إلَى رُبُوبِيَّتِهِ لَهَا، وَخَلْقِهِ وَإِتْقَانِهِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ، وَلَهُ سُبْحَانَهُ الْمُلْكُ وَالْحَمْدُ. وَهَذَا مَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرُسُلِهِ الْإِيمَانَ الْوَاجِبَ، فَالْحُدُوثُ