شَبَّهَ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ عَلَى الْقُلُوبِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ فَيَخْتَلِطُ بِالشُّبُهَاتِ وَالْأَهْوَاءِ الْمُغْوِيَةِ بِالْمَطَرِ الَّذِي يَحْتَمِلُ سَيْلُهُ الزَّبَدَ وَبِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ إذَا أُذِيبَ بِالنَّارِ فَاحْتَمَلَ الزَّبَدَ فَقَذَفَهُ بَعِيدًا عَنْ الْقَلْبِ وَجَعَلَ ذَلِكَ الزَّبَدَ هُوَ مَثَلُ ذَلِكَ الْبَاطِلِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ؛ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ مِنْ الْمَاءِ وَالْمَعَادِنِ فَهُوَ مِثْلُ الْحَقِّ النَّافِعِ فَيَسْتَقِرُّ وَيَبْقَى فِي الْقَلْبِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} . فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ سَبَبَ إضْلَالِ أَعْمَالِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا حَتَّى لَمْ تَنْفَعْهُمْ وَأَنَّ أَعْمَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا نَفَعَتْهُمْ فَكَفَّرَتْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ اللَّهُ بَالَهُمْ: أَنَّ هَؤُلَاءِ اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ قَوْلًا وَعَمَلًا اعْتِقَادًا وَاقْتِصَادًا خَبَرًا وَأَمْرًا. وَهَؤُلَاءِ اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ وَلَمْ يَتَّبِعُوا مَا هُوَ مِنْ غَيْرِ رَبِّهِمْ وَإِنْ كَانَ حَقًّا مِنْ وَجْهٍ. وَهَذَا تَحْقِيقُ مَا قُلْنَاهُ؛ فَإِنَّ الْخَبَرَ وَالْعَمَلَ تَابِعٌ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ وَلِلْمَقْصُودِ بِالْعَمَلِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ كَانَ التَّابِعُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا. وَكَذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ} وَقَوْلُهُ: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ إبْطَالِ مَا قَدْ مَضَى وَوُجِدَ إنَّمَا هُوَ عَدَمٌ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ لَا عَدَمِ ذَاتِهِ؛ فَإِنَّ ذَاتَهُ انْقَضَتْ كَمَا انْقَضَى مَا لَمْ يَبْطُلْ مِنْ الْأَعْمَالِ فَكَيْفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute