هَؤُلَاءِ: هَلْ الِارْتِجَاعُ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي؟ وَفِي حِكْمَةِ هَذَا النَّهْيِ؟ أَقْوَالٌ: ذَكَرْنَاهَا وَذَكَرْنَا مَأْخَذَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَفَهِمَ طَائِفَةٌ أُخْرَى: أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ وَلَكِنَّهُ لَمَّا فَارَقَهَا بِبَدَنِهِ كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ مِنْ الرَّجُلِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ اعْتَزَلَهَا بِبَدَنِهِ وَاعْتَزَلَتْهُ بِبَدَنِهَا؛ {فَقَالَ لِعُمَرِ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا} وَلَمْ يَقُلْ: فَلْيَرْتَجِعْهَا. " وَالْمُرَاجَعَةُ " مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ: أَيْ تَرْجِعُ إلَيْهِ بِبَدَنِهَا فَيَجْتَمِعَانِ كَمَا كَانَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَلْزَمْهُ فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي أَبَاحَ اللَّهُ فِيهِ الطَّلَاقَ طَلَّقَهَا حِينَئِذٍ إنْ شَاءَ. قَالَ هَؤُلَاءِ: وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ قَدْ لَزِمَ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْرِ بِالرَّجْعَةِ لِيُطَلِّقَهَا طَلْقَةً ثَانِيَةً فَائِدَةٌ؛ بَلْ فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَيْهِمَا؛ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الطَّلَاقِ مَعَ الْأَوَّلِ تَكْثِيرُ الطَّلَاقِ؛ وَتَطْوِيلُ الْعِدَّةِ وَتَعْذِيبُ الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ بَلْ إذَا وَطِئَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا؛ أَوْ تَطْهُرَ الطُّهْرَ الثَّانِيَ. وَقَدْ يَكُونُ زَاهِدًا فِيهَا يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَهُمَا فَتَعْلَقَ مِنْهُ؛ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبْ الْوَطْءَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلَكِنْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ إلَى الطُّهْرِ الثَّانِي. وَلَوْلَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوَّلًا لَكَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُبِيحَ لَهُ الطَّلَاقُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute