للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:

فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} قَدْ قِيلَ: إنَّهَا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ. فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ كَتَبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ لَمَّا بَعَثَهُ عَامِلًا عَلَى نَجْرَانَ وَكِتَابُ عَمْرٍو فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالدِّيَاتُ وَالسُّنَنُ الْوَاجِبَةُ بِالشَّرْعِ. وَقَوْلُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا مُبَايَعَتُهُ لِلْأَنْصَارِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاثَقَهُمْ عَلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ بِأَمْرِ اللَّهِ مِنْ السَّمْعِ لَهُ وَالطَّاعَةِ وَذَكَّرَهُمْ اللَّهُ ذَلِكَ الْمِيثَاقَ لِيُوفُوا بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ إلَّا مَا كَانَ وَاجِبًا بِأَمْرِ اللَّهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ أَمَرَهُمْ فِيهَا بِذِكْرِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ وَذِكْرِ مِيثَاقِهِ. فَذَكَرَ سَبَبَيْ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ الثَّابِتَ بِالشَّرْعِ ثَابِتٌ بِإِيجَابِ الرُّبُوبِيَّةِ وَهِيَ إنْعَامُهُ عَلَيْهِمْ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: {أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ} . وَلِهَذَا كَانَ عَادَةُ الْمُصَنِّفِينَ فِي " أُصُولِ الدِّينِ " أَوَّلَ مَا يَذْكُرُونَ أَوَّلَ نِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ وَأَوَّلَ مَا وَجَبَ عَلَى عِبَادِهِ وَيَذْكُرُونَ