للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ: غَايَةُ مَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَزُورُوا الْقُبُورَ} خِطَابٌ عَامٌّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ} هُوَ أَدَلُّ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ صِيغَةِ التَّذْكِيرِ فَإِنَّ لَفْظَ: " مَنْ " يَتَنَاوَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ مَنْ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ. وَلَفْظُ " مَنْ " أَبْلَغُ صِيَغِ الْعُمُومِ ثُمَّ قَدْ عُلِمَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ هَذَا الْعُمُومَ لَمْ يَتَنَاوَلْ النِّسَاءَ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُنَّ عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ سَوَاءٌ كَانَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ. فَإِذَا لَمْ يَدْخُلْنَ فِي هَذَا الْعُمُومِ فَكَذَلِكَ فِي ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَكِلَاهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ تَشْيِيعَ الْجِنَازَةِ مِنْ جِنْسِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} فَنَهَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَعَنْ الْقِيَامِ عَلَى قُبُورِهِمْ. وَكَانَ دَلِيلُ الْخِطَابِ وَمُوجِبُ التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيُقَامُ عَلَى قُبُورِهِمْ، وَذَلِكَ كَمَا قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ الْقِيَامُ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَهُوَ مَقْصُودُ زِيَارَةِ قُبُورِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِذَا كَانَ النِّسَاءُ لَمْ يَدْخُلْنَ فِي عُمُومِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فَلَأَنْ لَا يَدْخُلْنَ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ الَّتِي غَايَتُهَا دُونَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ