للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِجْمَاعَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَكَذَلِكَ مَنْ قَابَلَهُمْ فَنَفَى حِكْمَةَ الرَّبِّ الثَّابِتَةَ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ وَمَا كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الرَّحْمَةِ وَمَا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الظُّلْمِ وَمَا جَعَلَهُ لِلْمَخْلُوقَاتِ وَالْمَشْرُوعَاتِ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي شَهِدَ بِهَا النَّصَّ مَعَ الْعَقْلِ وَالْحِسِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهَا سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّةُ الدِّينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَقَاوِيلَ أَصْلُهَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ إمَامِ غُلَاةِ الْمُجَبِّرَةِ وَكَانَ يُنْكِرُ رَحْمَةَ الرَّبِّ وَيَخْرُجُ إلَى الْجَذْمَى فَيَقُولُ: أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَا ثَمَّ إلَّا إرَادَةٌ رَجَّحَ بِهَا أَحَدَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ لَا لِحِكْمَةِ وَلَا رَحْمَةٍ. وَلِهَذَا كَانَ الَّذِينَ وَافَقُوهُ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَتَنَاقَضُونَ لِأَنَّهُمْ إذَا خَاضُوا فِي الشَّرْعِ احْتَاجُوا أَنْ يَسْلُكُوا مَسَالِكَ أَئِمَّةِ الدِّينِ فِي إثْبَاتِ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَمْرِ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَمَا يَنْفَعُهُمْ مِنْ النَّهْيِ عَنْ مَفَاسِدِهِمْ وَمَا يَضُرُّهُمْ وَأَنَّ الرَّسُولَ الَّذِي بُعِثَ بِهَا بُعِثَ رَحْمَةً كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} وَقَدْ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ