بِهَا الْقَدَرُ لَيْسَ بِظُلْمِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ النَّاسِ إذَا عَاقَبَهُ غَيْرُهُ بِسَيِّئَاتِهِ وَانْتَصَفَ لِلْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ظُلْمًا مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ بَلْ ذَلِكَ أَمْرٌ مَحْمُودٌ مِنْهُ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّ الظَّالِمَ مَعْذُورٌ لِأَجْلِ الْقَدَرِ. فَرَبُّ الْعَالَمِينَ إذَا أَنْصَفَ بَعْضَ عِبَادِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَخَذَ لِلْمَظْلُومِينَ حَقَّهُمْ مِنْ الظَّالِمِينَ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا مِنْهُ لِأَجْلِ الْقَدَرِ وَكَذَلِكَ الْوَاحِدُ مِنْ الْعِبَادِ إذَا وَضَعَ كُلَّ شَيْءٍ مَوْضِعَهُ فَجَعَلَ الطَّيِّبَ مَعَ الطَّيِّبِ فِي الْمَكَانِ الْمُنَاسِبِ لَهُ وَجَعَلَ الْخَبِيثَ مَعَ الْخَبِيثِ فِي الْمَكَانِ الْمُنَاسِبِ لَهُ كَانَ ذَلِكَ عَدْلًا مِنْهُ وَحِكْمَةً فَرَبُّ الْعَالَمِينَ إذَا وَضَعَ كُلَّ شَيْءٍ مَوْضِعَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يَجْعَلْ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ وَلَا الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ. وَالْجَنَّةُ طَيِّبَةٌ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَدْخُلَهَا إلَّا طَيِّبٌ وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الْقِصَاصِ الَّذِي يُنَظِّفُهُمْ مِنْ الْخُبْثِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ الْمُؤْمِنِينَ إذَا عَبَرُوا الْجِسْرَ - وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمَنْصُوبُ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ - فَإِنَّهُمْ يُوقِفُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيَقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَإِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ} وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْمَقْصُودُ: هُنَا أَنَّ مَا يَقُولُهُ الْقَدَرِيَّةُ مِنْ الظُّلْمِ وَالْعَدْلِ الَّذِي يَقِيسُونَ بِهِ الرَّبَّ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ بِدَعِهِمْ الَّتِي ضَلُّوا بِهَا وَخَالَفُوا بِهَا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute