للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَالصَّوَابُ مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُ الْجَهْمِيَّة الَّذِي وَافَقُوا فِيهِ السَّلَفَ وَالْجُمْهُورَ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ طَلَبَ وَاجْتَهَدَ وَاسْتَدَلَّ يَتَمَكَّنُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ فِيهِ بَلْ اسْتِطَاعَةُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ مُتَفَاوِتَةٌ.

وَالْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَوَّى بَيْنَ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْقُدْرَةِ وَلَمْ يَخُصَّ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا فَضَّلَهُمْ بِهِ عَلَى الْكُفَّارِ حَتَّى آمَنُوا وَلَا خَصَّ الْمُطِيعِينَ بِمَا فَضَّلَهُمْ بِهِ عَلَى الْعُصَاةِ حَتَّى أَطَاعُوا. وَهَذَا مِنْ أَقْوَالِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ الَّتِي خَالَفُوا بِهَا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ السَّلَفِ وَالْعَقْلَ الصَّرِيحَ كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ كُلَّ مُسْتَدِلٍّ فَمَعَهُ قُدْرَةٌ تَامَّةٌ يَتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّاسَ إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمْ الْقِبْلَةُ فِي السَّفَرِ فَكُلُّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ بَعْضُهُمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ مَعْرِفَةِ جِهَتِهَا وَبَعْضُهُمْ يَعْجَزُ عَنْ ذَلِكَ فَيَغْلَطُ فَيَظُنُّ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ أَنَّهَا جِهَتُهَا وَلَا يَكُونُ مُصِيبًا فِي ذَلِكَ. لَكِنْ هُوَ مُطِيعٌ لِلَّهِ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي صِلَاتِهِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا فَعَجْزُهُمْ عَنْ الْعِلْمِ بِهَا كَعَجْزِهِ عَنْ التَّوَجُّهِ إلَيْهَا كَالْمُقَيَّدِ وَالْخَائِفِ؛ وَالْمَحْبُوسِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا. وَلِهَذَا كَانَ الصَّوَابُ فِي الْأَصْلِ الثَّانِي قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ فِي الْآخِرَةِ إلَّا مَنْ عَصَاهُ بِتَرْكِ