للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّلَفَ وَالْأَئِمَّةَ فِي هَذَا لَمَّا ظَهَرَتْ مِحْنَةُ الْجَهْمِيَّة - وَثَبَتَ فِيهَا الْإِمَامُ أَحْمَد الَّذِي أَيَّدَ اللَّهُ بِهِ السُّنَّةَ وَنَصَرَ السُّنَّةَ - صَارَ شِعَارُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَكُلُّ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ فِي اللِّسَانِ الْعَامِّ - فَكَثُرَ حِينَئِذٍ مَنْ يُوَافِقُ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ بَلْ مَعَهُ أُصُولٌ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْجَهْمِيَّة يُرِيدُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا يُرِيدُ الْمُتَفَلْسِفُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَقْوَالِ الْمُتَفَلْسِفَةِ الْمُخَالِفِينَ لِلرُّسُلِ وَبَيْنَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ. فَلِهَذَا صَارَ الْمُنْتَسِبُونَ إلَى السُّنَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لَهُ أَقْوَالٌ:

أَحَدُهَا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ قَدِيمُ الْعَيْنِ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَا يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ بَعْدَ كَلَامٍ ثُمَّ هَؤُلَاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ الْقَدِيمَ هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ لَازِمٌ لِذَاتِ اللَّهِ أَبَدًا أَوْ خَمْسَةُ مَعَانٍ.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ هُوَ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ قَدِيمَةُ الْأَعْيَانِ لَازِمَةٌ لِذَاتِ اللَّهِ أَبَدًا.

الثَّالِثُ (١) : قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: بَلْ الرَّبُّ فِي أَزَلِهِ لَمْ يَكُنْ الْكَلَامُ مُمْكِنًا لَهُ كَمَا لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ مُمْكِنًا لَهُ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْكَلَامِ وَالْفِعْلِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَوُجُودِ مَا يَكُونُ بِالْمَشِيئَةِ وَالِاخْتِيَارِ مُحَالٌ عِنْدَهُمْ دَوَامُهُ. ثُمَّ الْمَشْهُورُ عَنْ هَؤُلَاءِ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: