فَالدُّعَاءُ لِلْغَيْرِ يَنْتَفِعُ بِهِ الدَّاعِي وَالْمَدْعُوُّ لَهُ وَإِنْ كَانَ الدَّاعِي دُونَ الْمَدْعُوِّ لَهُ فَدُعَاءُ الْمُؤْمِنِ لِأَخِيهِ يَنْتَفِعُ بِهِ الدَّاعِي وَالْمَدْعُوُّ لَهُ. فَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ اُدْعُ لِي وَقَصَدَ انْتِفَاعَهُمَا جَمِيعًا بِذَلِكَ كَانَ هُوَ وَأَخُوهُ مُتَعَاوِنَيْنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَهُوَ نَبَّهَ الْمَسْئُولَ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِمَا يَنْفَعُهُمَا، وَالْمَسْئُولُ فَعَلَ مَا يَنْفَعُهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِبِرِّ وَتَقْوَى؛ فَيُثَابُ الْمَأْمُورُ عَلَى فِعْلِهِ وَالْآمِرُ أَيْضًا يُثَابُ مِثْلَ ثَوَابِهِ؛ لِكَوْنِهِ دَعَا إلَيْهِ لَا سِيَّمَا وَمِنْ الْأَدْعِيَةِ مَا يُؤْمَرُ بِهَا الْعَبْدُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} فَأَمَرَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ ثُمَّ قَالَ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} . فَذَكَرَ - سُبْحَانَهُ - اسْتِغْفَارَهُمْ وَاسْتِغْفَارَ الرَّسُولِ لَهُمْ إذْ ذَاكَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ الرَّسُولُ حَيْثُ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ مَخْلُوقًا أَنْ يَسْأَلَ مَخْلُوقًا شَيْئًا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ الْمَخْلُوقَ بِهِ بَلْ مَا أَمَرَ اللَّهُ الْعَبْدَ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ؛ فَفِعْلُهُ هُوَ عِبَادَةٌ لِلَّهِ وَطَاعَةٌ وَقُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ وَصَلَاحٌ لِفَاعِلِهِ وَحَسَنَةٌ فِيهِ وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ أَعْظَمَ لِإِحْسَانِ اللَّهِ إلَيْهِ وَإِنْعَامِهِ عَلَيْهِ.
بَلْ أَجَلُّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ أَنْ هَدَاهُمْ لِلْإِيمَانِ. وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَالْحَسَنَاتِ وَكُلَّمَا ازْدَادَ الْعَبْدُ عَمَلًا لِلْخَيْرِ. ازْدَادَ إيمَانُهُ. هَذَا هُوَ الْإِنْعَامُ الْحَقِيقِيُّ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وَفِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} . بَلْ نِعَمُ الدُّنْيَا بِدُونِ الدِّينِ هَلْ هِيَ مِنْ نِعَمِهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute