أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ الْعَمَلَ الَّذِي لَا مَصْلَحَةَ لِلْعَبْدِ فِيهِ لَا يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ السَّلَفِ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ وَلَمْ يَأْمُرْ إلَّا لِحِكْمَةِ كَمَا لَمْ يَخْلُقْ وَلَمْ يَأْمُرْ إلَّا لِسَبَبِ. وَاَلَّذِينَ يُنْكِرُونَ الْأَسْبَابَ وَالْحُكْمَ يَقُولُونَ بَلْ يَأْمُرُ بِمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْعِبَادِ أَلْبَتَّةَ وَإِنْ أَطَاعُوهُ وَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ كَمَا بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ كُلَّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمَرَ بِهِ لِحِكْمَةِ وَمَا نَهَى عَنْهُ نَهَى لِحِكْمَةِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ قَاطِبَةً وَسَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَعَامَّتِهَا فَالتَّعَبُّدُ الْمَحْضُ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِيهِ حِكْمَةٌ لَمْ يَقَعْ. نَعَمْ قَدْ تَكُونُ الْحِكْمَةُ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ وَقَدْ تَكُونُ فِي الْأَمْرِ وَقَدْ تَكُونُ فِي كِلَيْهِمَا فَمِنْ الْمَأْمُورِ بِهِ مَا لَوْ فَعَلَهُ الْعَبْدُ بِدُونِ الْأَمْرِ حَصَلَ لَهُ مَنْفَعَةٌ: كَالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ إلَى الْخَلْقِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَهَذَا إذْ أَمَرَ بِهِ صَارَ فِيهِ " حِكْمَتَانِ " حِكْمَةٌ فِي نَفْسِهِ وَحِكْمَةٌ فِي الْأَمْرِ فَيَبْقَى لَهُ حُسْنٌ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ وَمِنْ جِهَةِ أَمْرِ الشَّارِعِ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى الشَّرِيعَةِ وَمَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ إنَّمَا كَانَتْ حِكْمَتُهُ لَمَّا أَمَرَ بِهِ. وَكَذَلِكَ مَا نَسَخَ زَالَتْ حِكْمَتُهُ وَصَارَتْ فِي بَدَلِهِ كَالْقِبْلَةِ. وَإِذَا قَدَّرَ أَنَّ الْفِعْلَ لَيْسَتْ فِيهِ حِكْمَةٌ أَصْلًا فَهَلْ يَصِيرُ بِنَفْسِ الْأَمْرِ فِيهِ حِكْمَةُ الطَّاعَةِ؟ وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالتَّعَبُّدِ الْمَحْضِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute