وَاعْلَمْ أَنَّ عَامَّةَ مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ الْكِبَارِ؛ مِثْلَ الْإِقْرَارِ بِوُجُودِ الْخَالِقِ وَبِوَحْدَانِيّتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَالْإِقْرَارِ بِالثَّوَابِ وَبِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ: قَدْ دَلَّ الشَّارِعُ عَلَى أَدِلَّتِهِ الْعَقْلِيَّةِ. وَهَذِهِ الْأُصُولُ الَّتِي يُسَمِّيهَا أَهْلُ الْكَلَامِ الْعَقْلِيَّاتِ وَهِيَ مَا تُعْلَمُ بِالْعَقْلِ فَإِنَّهَا تُعْلَمُ بِالشَّرْعِ لَا أَعْنِي بِمُجَرَّدِ إخْبَارِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِصِدْقِ الْمُخْبِرِ فَالْعِلْمُ بِهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَوْقُوفٌ عَلَى مَا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَبِالرِّسَالَةِ وَإِنَّمَا أَعْنِي بِدَلَالَتِهِ وَهِدَايَتِهِ كَمَا أَنَّ مَا يَتَعَلَّمُهُ الْمُتَعَلِّمُونَ بِبَيَانِ الْمُعَلِّمِينَ وَتَصْنِيفِ الْمُصَنِّفِينَ إنَّمَا هُوَ لِمَا بَيَّنُوهُ لِلْعُقُولِ مِنْ الْأَدِلَّةِ. فَهَذَا مَوْضِعٌ يَجِبُ التَّفَطُّنُ لَهُ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الغالطين مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَمُحَدِّثٍ وَمُتَفَقِّهٍ وَعَامِّيٍّ وَغَيْرِهِمْ: يَظُنُّ أَنَّ الْعِلْمَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ الشَّرْعِ إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ إخْبَارِهِ تَصْدِيقًا لَهُ فَقَطْ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ يُسْتَفَادُ مِنْهُ بِالدَّلَالَةِ وَالتَّنْبِيهِ وَالْإِرْشَادِ جَمِيعُ مَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الشَّرْعِيِّ: مَا يُعْلَمُ بِإِخْبَارِ الشَّارِعِ. فَهَذَا لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُمْكِنَ عِلْمُهُ بِالْعَقْلِ أَيْضًا؛ أَوْ لَا يُمْكِنُ؛ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلِهَذَا يُعْلَمُ بِمُجَرَّدِ إخْبَارِ الشَّارِعِ وَإِنْ أَمْكَنَ عَلِمَهُ بِالْعَقْلِ فَهَلْ يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا؟ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ أَخْبَرَ الشَّارِعُ بِهِ وَعِلْمُهُ مُمْكِنٌ بِالْعَقْلِ أَيْضًا وَلَمْ يَدُلَّ الشَّارِعُ عَلَى دَلِيلٍ لَهُ عَقْلِيٍّ فَهَذَا مُمْكِنٌ وَلَا نَقْصَ إذَا وَقَعَ مِثْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute