وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهُمْ قَدْ تجوهروا فَقَالُوا: لَا نُبَالِي الْآنَ مَا عَمِلْنَا؟ . فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَعْنُونَ بِقَوْلِكُمْ؟ فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ النَّفْسَ بَقِيَتْ صَافِيَةً طَاهِرَةً لَا تُنَازِعُ إلَى الشَّهَوَاتِ وَالْأَهْوَاءِ الْمُرْدِيَةِ فَهَذَا لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّفْسَ قَدْ صَارَتْ مُطِيعَةً لَيْسَ فِيهَا دَوَاعِي الْمَعْصِيَةِ فَتَكُونُ مُنْقَادَةً إلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَلَا تَمِيلُ إلَى الْمَحْظُورِ وَهَذَا غَايَتُهُ أَنْ تَكُونَ مَعْصُومَةً لَا تَطْلُبُ فِعْلَ الْقَبِيحِ وَهَذَا مَا يُخْرِجُهَا أَنْ تَكُونَ مَأْمُورَةً مَنْهِيَّةً كَالْمَلَائِكَةِ. وَإِذَا قَالَ مِثْلَ هَؤُلَاءِ: لَا يُنَافِي مَا عَمِلْنَا قِيلَ لَهُمْ: الَّذِي تَعْمَلُونَهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَهْوَاءِ الْمُرْدِيَةِ فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ فِي زَعْمِكُمْ أَنَّ نُفُوسَكُمْ لَمْ يَبْقَ لَهَا هَوًى. وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَهَذَا جِنْسٌ لَا يُنْكَرُ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ مُتَنَاقِضُونَ فِي هَذَا الْكَلَامِ إذَا أَرَادُوا بتجوهر النَّفْسِ صَفَاءَهَا وَطَهَارَتَهَا عَنْ الْأَكْدَارِ الْبَشَرِيَّةِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْكَمَالَ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّ الْبَشَرِ مَا دَامَتْ الْأَرْوَاحُ فِي الْأَجْسَامِ؛ وَلِهَذَا أَنْكَرَ الْمَشَايِخُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ ادَّعَاهُ كَالْآثَارِ الْمَعْرُوفَةِ فِي ذَلِكَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ الروذباري وَغَيْرِهِمْ وَأَعْظَمُ النَّاسِ دَرَجَةً الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وَقَدْ أَمَرَهُمْ اللَّهُ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ حَتَّى خَاتَمَ الرُّسُلِ أَمَرَهُ اللَّهُ فِي أَوَاخِرِ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ مَا أَمَرَهُ بِهِ بِقَوْلِهِ: {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute