فَصْلٌ:
وَأَمَّا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْته فَعَلَيَّ إذًا عِتْقُ عَبْدِي. فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ الْعِتْقُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ؛ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَقَوْلُ دَاوُد وَابْنُ حَزْمٍ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّكْفِيرِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا. وَقِيلَ: يَجِبُ التَّكْفِيرُ عَيْنًا؛ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ شَيْءٌ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ فِيمَا بَلَغَنَا بَعْدَ كَثْرَةِ الْبَحْثِ وَتَتَبُّعِ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ والمتأخرين؛ بَلْ الْمَنْقُولُ عَنْهُمْ إمَّا ضَعِيفٌ؛ بَلْ كَذِبٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَإِمَّا أَلَّا يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَحْلِفُونَ بِالطَّلَاقِ عَلَى عَهْدِهِمْ؛ وَلَكِنْ نُقِلَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فِي الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ أَنْ يَجْزِيَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَمَا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ هَؤُلَاءِ نَقِيضُ هَذَا الْقَوْلِ. وَأَنَّهُ يَعْتِقُ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى أَسَانِيدِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَمَنْ قَالَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: إنَّهُ لَا يَقَعُ الْعِتْقُ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ. وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ ظَنَّ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا نِزَاعَ فِيهِ فَاضْطَرَّهُ ذَلِكَ إلَى أَنْ عَكَسَ مُوجَبَ الدَّلِيلِ فَقَالَ: يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ دُونَ الْعِتَاقِ وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَبُيِّنَ مَا فِيهَا مِنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute