وَتَحَمُّلٍ مَكْرُوهٍ. قَالَ: فَخَاطَبَ الْعَرَبَ عَلَى حَسَبِ مَا تَعْقِلُ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَقُولُ لِلرَّجُلِ مَا أُطِيقُ النَّظَرَ إلَيْك وَهُوَ مُطِيقٌ لِذَلِكَ؛ لَكِنَّهُ ثَقِيلٌ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَيْهِ قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} . قُلْت لَيْسَتْ هَذِهِ لُغَةُ الْعَرَبِ وَحْدَهُمْ؛ بَلْ هَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُقَلَاءُ. و " الِاسْتِطَاعَةُ فِي الشَّرْعِ " هِيَ مَا لَا يَحْصُلُ مَعَهُ لِلْمُكَلَّفِ ضَرَرٌ رَاجِحٌ كَاسْتِطَاعَةِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ فَمَتَى كَانَ يَزِيدُ فِي الْمَرَضِ أَوْ يُؤَخِّرُ الْبُرْءَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَطِيعًا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مُضِرَّةً رَاجِحَةً؛ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ لِبُغْضِ الْحَقِّ وَثِقَلِهِ عَلَيْهِمْ: إمَّا حَسَدًا لِقَائِلِهِ وَإِمَّا اتِّبَاعًا لِلْهَوَى وَرَيْنِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي عَلَى الْقُلُوبِ وَلَيْسَ هَذَا عُذْرًا فَلَوْ لَمْ يَأْمُرْ الْعِبَادَ إلَّا بِمَا يَهْوُونَهُ لَفَسَدَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ.
وَالْمَقْصُودُ أَنْ السَّلَفَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْعَبْدَ لَا يَكُونُ مُسْتَطِيعًا إلَّا فِي حَالِ فِعْلِهِ وَأَنَّهُ قَبْلَ الْفِعْلِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَطِيعًا فَهَذَا لَمْ يَأْتِ الشَّرْعُ بِهِ قَطُّ وَلَا اللُّغَةُ وَلَا دَلَّ عَلَيْهِ عَقْلٌ؛ بَلْ الْعَقْلُ يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالرَّبُّ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَفْعَلُ الْفِعْلَ مَعَ أَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ لَهُ وَالْمَعْلُومُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ وَلَا يُرِيدُهُ لَا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَالْعِلْمُ يُطَابِقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute