للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِهَذَا كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ إنَّمَا هُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى الذُّنُوبِ وَأَنَّ اللَّهَ يَسْتَدْرِكُهُمْ بِالتَّوْبَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ - {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} - وَإِنْ كَانَتْ حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتِ الْمُقَرَّبِينَ. وَأَنَّ مَا صَدَرَ مِنْهُمْ مَنْ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ لِكَمَالِ النِّهَايَةِ بِالتَّوْبَةِ لَا لِنَقْصِ الْبِدَايَةِ بِالذَّنْبِ. وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا تَجِبُ لَهُ الْعِصْمَةُ وَإِنَّمَا يَدَّعِي الْعِصْمَةَ الْمُطْلَقَةَ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ: الْجُهَّالُ مِنْ الرَّافِضَةِ وَغَالِيَةِ النُّسَّاكِ وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: حَاصِلُ النُّبُوَّةِ يَرْجِعُ إلَى الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ فَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ الْأَنْبِيَاءَ لِمَا فِيهِ صَلَاحُ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْعِبَادَ بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ وَنَهَاهُمْ عَمَّا فِيهِ فَسَادُهُمْ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحِكْمَةَ هِيَ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ بِهَا كَمَا فَسَّرَهَا بِذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ؛ لَكِنْ أَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِمَّا يُوجِبُ سُقُوطَهَا عَنْ بَعْضِ الْعِبَادِ؟ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ مَنْ يَكُونُ سَفِيهًا مُفْسِدًا {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: الْمُرَادُ مِنْهَا ضَبْطُ الْعَوَامِّ وَلَسْنَا نَحْنُ مِنْ الْعَوَامِّ. فَالْكَلِمَةُ الْأُولَى: زَنْدَقَةٌ وَنِفَاقٌ وَالثَّانِيَةُ كَذِبٌ وَاخْتِلَاقٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الشَّرَائِعِ مُجَرَّدُ ضَبْطِ الْعَوَامِّ؛ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهَا الصَّلَاحُ بَاطِنًا